آفاق كلمة الشيخ نعيم للسعودية
أسامينا
نبيه البرجي
هكذا يفكرون الآن في قصر اليمامية : لم يعد شعار “تغيير الشرق الأوسط” , وبأبعد توراتية , أداة من أدوات البروباغندا الشعبوية , أو نوع من الفانتازيا في كرنفال سياسي , وانما حقيقة يومية على الأرض , بالسعي لاقامة “اسرائيل الكبرى” على أنقاض بلدان عربية . ولنتصور أي مصير للخليج , ولأهل الخليج , ولثروات الخليج , اذا ما قامت هذه الدولة , وبتلك الحمولة الايديولوجية العمياء “على أبواب منازلنا” !
كما لو أن عاصفة هبت على القصر , وتفضي الى احداث تغيير في الرؤى , وفي المفاهيم . وفي العلاقات , بعدما تبين للجهات الاستخباراتية , والديبلوماسية , في المملكة أن ادارة دونالد ترامب كانت على علم مسبق بالغارة الاسرائيلية على الدوحة , مع التساؤل ما ذا كان جنود قاعدة “العديد” الأميركية بغطون في نوم عميق , أم كانت رادارات القاعدة معطلة , عندما كانت الصواريخ الاسرائيلية تمر من فوقها لتصل الى قلب العاصمة القطرية , بعد ظهر ذلك “الثلاثاء الأسود” . وهذا ما ينطبق على سائر القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في أرجاء المنطقة ..
هذا ما ينقله الينا زملاء سعوديون على مقربة من البلاط , “حتى لتحسب أن بعض المسؤولين باتوا يفكرون بطريقة تتماهى مع طريقة تفكير جهات لطالما عرفت بمواقفها السلبية من أميركا واسرائيل , وبتوجسها من “الجنون الاسرائيلي” , وحيث أركان الائتلاف يعتقدون أن دول , وشعوب , المنطقة في غيبوبة أبدبة , ما يتيح لهم ليس فقط اقامة “اسرائيل الكبرى” , وانما اقامة “اسرائيل العظمى” بادارتها لكل المشرق العربي” .
ربما الجاذب اللاهوتي يدفعهم الى ما هو أبعد , ووفقاً لما تقتضيه “الضرورة التوراتية” بظهور “أمبراطورية يهوه” التي تفرش الطريق بالورود (أم بالجماجم ؟) أمام الماشيح الذي لا نعلم ما اذا سيخرج من بطن امرأة , أم يهبط بمركبة فضائية , يفترض أن تكون أميركية , اذا ماأخذنا بالغطرسة التي يبديها مفكرو “المحافظين الجدد” الذين يعتبرون أن حدود “أميركا العظمى” تتعدى حدود هذا العالم الى العالم الآخر .
ما هز قصر اليمامة أيضاً قول السفير الأميركي في أورشليم (لا في تل أبيب) مايكل هاكابي ان اسرائيل هي “الشريك الحقيقي الوحيد للولايات المتحدة” . في هذه الحال . ما معنى الاتفاقيات الاستراتيجية المعقودة بين أميركا وبلدان الخليج . حتى أنهم في أوروبا تلقوا هذا الكلام بذهول , وهم الذين يعلمون أين يوجد هاكابي في رأس دونالد ترامب , أو داخل اللوبي اليهودي . هنا نحن أمام سفير فوق العادة . انه الحاخام الأميركي الذي عيّن سفيراً في اسرائيل لكي يشق الطريق التوراتي الى “اسرائيل الكبرى” .
أليس طريفاً أن نرى على مواقع التواصل هذه العبارة “يبدو أن يهوه موجود في رأس دونالد ترامب أكثر مما هو موجود في رأس بنيامين نتنياهو” . وبعد كل ذلك الذي يحدث على الأرض , وحيث المنطقة تبدو وكأنها تدور على قرن ثور , كما تتدفق الأسلحة الأميركية الأكثر فتكاً على المطارات , والموانئ , الاسرائيلية , كيف لنا أن نصدق ما تكتبه “وول ستريت جورنال” من أن الرئيس الأميركي يعيش حالة من “الغضب المكبوت” تجاه رئيس الوزراء الاسرائيلي . ولكن لاحظوا ما تضيفه الصحيفة “بالرغم من ذلك يترك له حرية التصرف” .
الجانب الكوميدي الأكثر اثارة أن ترامب , وبحسب الصحيفة , يقول أمام مساعديه “انه يخدعني” , “اشتكى مرارا (ترامب الجبار يشتكي ؟ً) من أن زعيم الليكود يقوّض مساره المفضل لانهاء الحرب الدائرة منذ نحو عامين في قطاع غزة” . هل تسنى لكم قراءة مسرحية النرويجي هنريتش ابسن “كوميديا الأغبياء) والتي لم تنشر أثناء حياته.
ترامب الذي يضرب في كل أرجاء العالم , والذي أعاد الطائرات الاسرائيلية على أعقابها , وهي في طريقها الى طهران , يشتكي من تقويض مشروعه لوقف الطوفان الدموي في غزة . لا أحد دعاه من العرب , وغير العرب . الى وقف ارسال الاسلحة الى نتنياهو , ولو ليوم واحد , كما لو أن الحروب الاسرائيلية كلها لا تجري وفق الأجندة الأميركية لصناعة الشرق الأوسط الجديد .
لا زيارة علي لاريجاني للرياض , ولقائه الأمير محمد بن سلمان , كانت عادية , ولا كلمة الشيخ نعيم قاسم كانت عادية . الزيارة , والكلمة , جاءتا في سياق محدد فرضته الضربة الاسرائيلية للخليج , وليس فقط لقطر , وتحت العيون الأميركية , اذا لم نقل بأوامر أميركية لقتل من تبقى من قادة حركة “حماس” وتمهيد الطريق أمام مشروع ترامب تحويل القطاع الى مدينة سياحية تستضيف أغنياء وغانيات العالم .
بطبيعة الحال , لا نتوقع أن نرى السفير وليد البخاري , في حارة حريك , كما نراه في معراب , أو في كليمنصو , أو في دارة النائب فؤاد مخزومي وغيره , بحجة أن العلاقات هي بين دولة ودولة . هكذا تحدث الأمور . الدولة السعودية مع دولة سمير جعجع , ومع دولة وليد جنبلاط , ناهيك عن الدول الأخرى , لا مع دولة “حزب الله” .
بالرغم من كل شيء , الصورة واضحة . حكام الدول الخليجية باتوا على قناعة بأن شعار التغيير الذي رفعه بنيامين نتنياهو , وتبناه دونالد ترامب , لا يستثني أي دولة من دول المنطقة . من زمان تحدث زئيف جابوتنسكي عن حماقة مارك سايكس وجورج بيكو . الآن توماس براك مع وصف اسرائيل الدول التي أنشأتها الاتفاقية بأنها ولدت على الورق وبقيت على الورق .
في هذه الحال , لماذا لا يكون تغيير العلاقات لاتغيير الخرائط في الشرق الأوسط , ودائماً وفق الرؤية (والرؤيا) التوراتية ؟