Home / اقتصاد / أثر _………………الكوبرا

أثر _………………الكوبرا

أسامينا

شادي أحمد

في دلهي، حين قررت السلطات القضاء على خطر أفاعي الكوبرا عبر مكافأة مالية لكل من يقتل واحدة
لم تُقتل المشكلة بل أُعيد إنتاجها:
المواطنون صاروا يربّون الأفاعي ثم يسلمونها للحكومة لقاء المال. وحين توقف البرنامج، أطلقوا “مخزونهم” من الثعابين في الشوارع، فتعاظمت الكارثة.

من هنا وُلد مصطلح “أثر الكوبرا”: السياسات التي يُفترض أن تعالج أزمة لكنها تخلق نتائج عكسية، وتفتح المجال أمام تفاقم أكبر مما كان قائماً.

وفي سورية 2025، تتكرر الصورة ذاتها بأدوات مختلفة:

في السياسة النقدية:
التوجّه نحو التعويم المدار للعملة يقدَّم باعتباره خطوة لخلق توازن في سوق الصرف حرية في التداول النقدي وفق قوى العرض و الطلب
لكن في غياب بنية اقتصادية قوية واحتياطيات كافية، و صندوق تحوط مالي سيقود حتماً إلى اهتزازات متكررة واختلالات أكبر، تماماً كما حدث في تجارب سابقة بدول نامية.
النية كانت الاستقرار، لكن النتيجة المرجحة هي توسيع فجوة الثقة بالسوق النقدي.

في السياسة المالية:
التوجه نحو تخفيض بعض الرسوم والضرائب يقدم كوسيلة لتحفيز النشاط الاقتصادي، غير أن ضعف الإيرادات البديلة للموازنة سيجعل العجز المالي يتضخم، و سوف يؤدي إلى زيادة الاعتماد على التمويل بالعجز والتضخم، ليُلتهم الأثر التحفيزي المقصود.

في التجارة الخارجية (المصيبة الأكبر)
فإن فتح الاستيراد للكثير من السلع الأساسية و الكمالية بهدف تخفيف الضغوط المعيشية أفضى عملياً إلى منافسة غير متكافئة مع الإنتاج المحلي،
ما خنق الصناعة الوطنية بدل دعمها، وأضعف فرص التشغيل على المدى المتوسط.
كذلك الإعلان عن توقيع مذكرات تفاهم بمليارات الدولارات أعطى جرعة نفسية قوية في البداية و لكن بعدما تم اكتشاف ان الكوبرا الوهمية هي من تستثمر تحولت الجرعة النفسية الشعبية إلى إحباط (دبل)

في السوق المعيشية:
القرارات المتتالية المتعلقة بتسعير المواد ورفع الدعم لم تؤدِّ إلى توازن بين العرض والطلب، بل عمّقت الفوارق الاجتماعية وأنتجت فجوة جديدة بين السعر الرسمي والقدرة الشرائية،
أي أنها زادت الضغط على المواطن من حيث كان يُفترض أن تخفف عنه.

بهذا المعنى،

الاقتصاد السوري اليوم لا يختلف كثيراً عن تجربة دلهي:
كل قرار يوصف بأنه “إصلاح” يتحول سريعاً إلى مولّد جديد للأزمات، وكأننا ندير مزرعة أفاعٍ لا خطة إنقاذ.

وإذا استمرت هذه الحلقة، فإن المشهد القادم لن يكون مجرد اختلالات متفرقة،
بل نظاماً اقتصادياً موازياً بالكامل، تتحكم به الأسواق غير الرسمية أكثر من المؤسسات الرسمية،
وتصبح السياسة الاقتصادية مجرد رد فعل متأخر على ما يحدث في “الظل”.

عندها لن نتحدث عن أثر كوبرا واحد، بل عن “حقبة كوبرا” كاملة، حيث تصبح الأفاعي جزءاً من البنية الاقتصادية لا مجرد حادث طارئ.

Tagged:

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *