Home / أخبار سوريا / الأرض المقدسةأرض_الصراعات

الأرض المقدسةأرض_الصراعات

أسامينا

من سيكون المتحكم بمستقبل سوريا؟

صراع القوى على أرض المتوسط الأخيرة

شادي أحمد

منذ أكثر من قرن وسوريا ليست مجرد دولة، بل مفصل جغرافي-حضاري نادر التكرار:
قلب الهلال الخصيب، بوابة آسيا نحو المتوسط، نقطة التقاء خطوط الغاز والنفط، ومركز توازن بين إيران وتركيا والعرب وإسرائيل.

من هنا، لا أحد في العالم يستطيع أن يتركها لحالها، ولا أحد استطاع أن يسيطر عليها تمامًا.
(سوريا مهمة لذلك يجب إن لا تترك بيد السوريين)… يقول مركز دراسات استراتيجية سوريا

اليوم يتشكل على الأرض صراع مركب بين سبعة مشاريع كبرى، كلٌّ منها يرى في سوريا حجر الزاوية لمستقبله. والنتيجة أن مستقبلها يُدار من الخارج، بينما الداخل يعيش في حالة “تعليق سيادة”.

أولاً: الولايات المتحدة — عقدة السيطرة المفقودة

أمريكا هي القوة الوحيدة التي لم تنجح يومًا في إخضاع سوريا بالكامل، رغم نجاحها في العراق والأردن ولبنان جزئيًا وتركيا حليفتها الأطلسية.
تحلم بالهيمنة لا لمجرد الجغرافيا، بل لسبب رمزي واستراتيجي: إنها الثغرة التي منعت واشنطن من احتكار الشرق الأوسط.
تسعى لضمان ألا تقوم في دمشق سلطة موالية لموسكو أو طهران، وأن تبقى الحدود الشرقية قاعدة ضغط على إيران، وأن يُستخدم شمال شرق سوريا كورقة تفاوض دائمة لا كأرض ذات مستقبل مستقل.

ثانياً: روسيا — الحلم البحري الأبدي

منذ عهد بطرس الأكبر وروسيا تحلم بالوصول إلى المياه الدافئة.
وقد تحقق لها ذلك جزئيًا في طرطوس واللاذقية.
لكنها لا تنظر إلى سوريا كملف عسكري فحسب، بل كـ جسر جيوسياسي طويل الأمد: منفذ بحري، موطئ نفوذ في المشرق، وسوق مفتوح لمواجهة الغرب.
روسيا لن تتخلى عن سوريا لأنها تراها بوابتها للبقاء قوة عالمية، لا مجرد دولة أوراسية.

ثالثاً: تركيا — حدود الذاكرة العثمانية

أنقرة تتحدث عن “عمق استراتيجي” و”أمن قومي”، لكنها تسعى فعليًا إلى فرض وصايتها على الشمال السوري كامتداد طبيعي لمجالها الحيوي.
مشروعها مزيج من العقيدة والأمن والاقتصاد. السيطرة على سوريا تُعيد وصل تركيا بالعمق العربي وتمنحها أوراق ضغط على الأكراد وعلى أوروبا.
لكن نجاحها في إسقاط نظام الأسد أكسبها الورقة و لم يكسبها القلم بل جعلها محصورة في الأطراف، لا في القلب،

رابعاً: إيران — طريق الحوزة إلى المتوسط

ترى إيران في سوريا الجسر الحيوي الذي يربطها بالعراق ثم بلبنان، لتكتمل حلقة “محور المقاومة” حتى لو انتهى
لكن بعد 2020 انخفضت قدرتها التمويلية والعسكرية، وانكمش حضورها تدريجيًا لصالح موسكو.
اليوم سوف تعتمد طهران على التفاهم لا التوسع، وتحاول الحفاظ على موطئ قدم عبر خطوط إمداد محدودة بين الحدود العراقية واللبنانية و سوف تتعامل مع الحكام الجدد بالوكالة عن طريق قطر و تركيا و لاحقا وجها لوجه
ومع ذلك، لن تسمح بأن تُفصل سوريا تمامًا عن مدارها الإقليمي.

خامساً: السعودية — مشروع العروبة الحديثة

يسعى محمد بن سلمان لتأسيس مركزية عربية جديدة تمتد من الخليج إلى المتوسط.
لكن هذا المشروع لن يكتمل ما لم تعد سوريا إلى البيت العربي.
الرياض تدرك أن دمشق ليست مجرد عاصمة، بل مرآة لشرعية أي قيادة عربية مقبلة.
لذلك تعمل على إعادة احتوائها لا عبر الصدام، بل عبر التطبيع الاقتصادي والسياسي تمهيدًا لربطها بمسار الإعمار العربي.

سادساً: الإمارات — القلق من الفوضى لا من النفوذ

تنظر الإمارات إلى سوريا من زاوية أمنية بحتة: انهيار الدولة يعني توسع الفوضى نحو الخليج.
من هنا يأتي حرصها على دعم مسار “الاستقرار مقابل التطبيع”، وعلى دمج دمشق في منظومة “الاتفاقات الإبراهيمية” التي تضع الأمن فوق الأيديولوجيا.
الإمارات لا تطمح لهيمنة بل لـ ضبط الإيقاع كما يفعل المستثمر الذي يريد السوق مستقرة لا مشتعلة.

سابعاً: إسرائيل — من الخرافة إلى الجغرافيا

ترى إسرائيل في سوريا مفتاح “الحدود الآمنة” ومسرح تنفيذ “الردع الوقائي”.
البعد العقائدي والتوراتي يجعل السيطرة على الجولان والجنوب السوري مسألة رمزية في وعيها السياسي.
أما أمنيًا، فهدفها منع التموضع الإيراني وقطع خطوط السلاح إلى حزب الله.
اقتصاديًا، تسعى لفتح فرص طاقة وتطبيع عابر للحدود ضمن مشروع “شرق أوسط جديد”.

خريطة النفوذ الحالية

النتيجة الواقعية:
سوريا ليست دولة واحدة، بل أربعة مشاهد متداخلة:

  1. المنطقة الروسية-الإيرانية: وسط غرب ساحل مع تنازع خفي
  2. المنطقة الأمريكية : شرق الفرات وحقول النفط.
  3. المنطقة التركية: الشمال والحدود.
  4. المنطقة الرمادية: الجنوب والغرب حيث النفوذ الإسرائيلي
    بينما السعودية و الإمارات تنظر إلى سوريا ككل واحد

إنها خريطة تشبه لوحة أسهم الشركات أكثر مما تشبه خريطة سيادة وطنية.

السيناريوهات المستقبلية

السيناريو الأول: الهيمنة المنفردة — حلم مؤجل

لا توجد قوة واحدة قادرة على السيطرة الكاملة. كل طرف يملك نفوذًا جزئيًا، ولا أحد يستطيع إلغاء الآخرين دون حرب كبرى.
أمريكا تملك السماء، وروسيا الأرض، وإيران العمق، وتركيا الأطراف، وإسرائيل القرار في الجنوب بينما العرب لم يطرحوا مشروعهم

السيناريو الثاني: التقاسم وتوزيع الحصص — الأكثر ترجيحًا
سوريا تتحول إلى نموذج “شبه فيدرالي دولي”:
روسيا تبقى في الساحل، أمريكا في الشرق، تركيا في الشمال، وإيران على خطوط الإمداد، مقابل عودة عربية رمزية عبر مشاريع الإعمار.
كل طرف يملك قطعة من الكعكة، بينما تبقى الدولة واجهة شكلية تجمع هذه المصالح تحت علم واحد.

السيناريو الثالث: الخيار الشعبي — شبه مستحيل
أن يُترك للشعب السوري أن يختار فعلاً يعني خروج كل القوى الأجنبية وحلّ الميليشيات، وهذا احتمال لا يتجاوز 5%.
الديمقراطية لا تُمارس فوق حقول الغاز.

السيناريو الرابع: بقاء الحرب — جرح مفتوح
قد تبقى سوريا ساحة حربٍ باردةٍ ساخنة: ضربات إسرائيلية، توترات شمالية، واغتيالات موضعية تُبقي النزاع مشتعلًا دون انفجار شامل.
هذا يخدم الجميع: لا انتصار لأحد، ولا هزيمة لأحد.

الخلاصة الاستراتيجية

المستقبل السوري لن يُحسم ببندقية أو مؤتمر، بل عبر صفقات تُكتب بلغة المصالح لا الشعارات.
التقاسم هو الاحتمال الأقرب، يليه استمرار الصراع منخفض الحدة.
لكن الخطر الأكبر أن يتحول هذا “التقاسم” إلى نظام دائم يجعل سوريا شركة متعددة الجنسيات تُدار من الخارج، بينما شعبها يصبح مجرد قوة عمل في مشاريع الآخرين.

أي أمل حقيقي لاستعادة القرار الوطني يبدأ من وعي اقتصادي-سياسي سوري يفرض نفسه كفاعل لا كمتلقي.
حتى ذلك الحين، ستبقى سوريا ليست “ملفًا” بين الدول، بل مرآة تكشف حقيقة النظام الدولي نفسه: عالم لا يحترم إلا من يملك القوة أو الإرادة.

Tagged:

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *