التوعية البيئية ودور المجتمع المدني – شراكةٌ من أجل مستقبلٍ مستدام – أسامينا
تشهد بيئتنا تحديّات غير مسبوقة في العصر الحديث، من تغيّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي إلى التلوث بمختلف أشكاله واستنزاف الموارد الطبيعية. في مواجهة هذه التحديات المعقدة، لم يعد دور الحكومات والجهات الرسمية كافيًا لوحده. هنا يبرز دور حاسم ومكمل، هو دور المجتمع المدني كفاعل رئيسي في تعزيز التوعية البيئية ودفع عجلة العمل البيئي. تُعد التوعية البيئية الركيزة الأساسية لتغيير السلوكيات وبناء ثقافة مجتمعية تحترم البيئة وتحافظ عليها، بينما يمثل المجتمع المدني، بقدرته على الوصول والمرونة والمبادرات المبتكرة، المحرك الفعّال لترجمة هذه الوعي إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع. تُستكشف في هذا السياق العلاقة التكاملية بين هذين العنصرين الحيويين وأثرهما في بناء مجتمعات أكثر استدامةً ومرونةً.
المجتمع، التوعية البيئية، ودور المجتمع المدني
أولاً: التوعية البيئية (Environmental Awareness)
هو عملية مستمرة تهدف إلى زيادة فهم الأفراد والجماعات للقضايا والمشكلات البيئية المحلية والعالمية، وإدراكهم للعلاقة المتبادلة بين الإنسان والبيئة، وتبصيرهم بالعواقب المترتبة على الإهمال البيئي، وإلهامهم للمشاركة في الحلول. إنها تتجاوز مجرد توفير المعلومات إلى بناء الوعي النقدي والمسؤولية الفردية والجماعية.

الأهمية:
تغيير السلوك: أساس أي تحوّل نحو الممارسات المستدامة (الحد من الاستهلاك، إعادة التدوير، ترشيد الطاقة والماء، اختيار بدائل صديقة للبيئة).
بناء ثقافة بيئية: غرس قيم احترام البيئة والحفاظ عليها في نسيج المجتمع، خاصة لدى الأجيال الناشئة.
تمكين المواطنين: إتاحة المعرفة اللازمة للمواطنين لفهم السياسات البيئية والمطالبة بحقوقهم البيئية ومحاسبة المسؤولين.
خلق طلب مجتمعي: توليد دعم شعبي للسياسات والتشريعات البيئية الطموحة والاستثمار في التقنيات النظيفة.
الاستعداد للتحديات: زيادة مرونة المجتمع في مواجهة آثار تغير المناخ والكوارث البيئية.
أشكالها: حملات إعلامية (تلفزيون، راديو، إنترنت، وسائل تواصل اجتماعي)، برامج تعليمية (في المدارس، الجامعات، مراكز التدريب)، ورش عمل، ندوات ومؤتمرات، فعاليات مجتمعية (أيام النظافة، معارض بيئية)، فنون (مسرح، سينما، موسيقى)، مواد توعوية (منشورات، بوسترات، إنفوجرافيك).
المجتمع المدني (Civil Society) ودوره المحوري في التوعية البيئية:
يشير إلى الفضاء الواقع بين الأسرة والدولة والسوق، ويتكون من منظمات ومؤسسات طوعية غير هادفة للربح، تعمل بشكل مستقل (نسبيًا) عن الحكومة والقطاع الخاص. تشمل: الجمعيات الأهلية، المنظمات غير الحكومية (NGOs)، النقابات، المؤسسات الخيرية، النوادي، المجموعات الشبابية، المبادرات المجتمعية المحلية.
دوره في التوعية البيئية (كيف يساهم المجتمع المدني؟):
-الوصول المباشر للمجتمعات المحلية: تتمتع منظمات المجتمع المدني بجذور محلية قوية وقدرة على الوصول إلى شرائح مختلفة من المجتمع (حضرية، ريفية، فئات مهمشة) بطرق قد لا تستطيع الحكومة الوصول إليها بنفس الفعالية، مما يجعل التوعية أكثر استهدافًا وملاءمة للسياق المحلي.
-المرونة والابتكار: يمكنها تطوير وتنفيذ برامج توعية مبتكرة ومتنوعة (فنية، ترفيهية، تفاعلية) تتجاوز الأساليب التقليدية، وتجرب نهجًا جديدة لتوصيل الرسائل البيئية بشكل جذاب.
-بناء القدرات: تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لبناء قدرات الأفراد والمجموعات المحلية على فهم القضايا البيئية وتبني ممارسات مستدامة وإدارة الموارد الطبيعية محليًا.
-حملات الضغط والمناصرة (Advocacy): استخدام التوعية كأداة لحشد الرأي العام والضغط على الحكومات والقطاع الخاص لتبني سياسات وتشريعات بيئية أكثر صرامة وعدالة، ومحاسبة الملوثين. نقل صوت المجتمع وهمومه البيئية للسلطات.
-تعزيز المشاركة المجتمعية: تنظيم وإدارة مبادرات عملية تجمع بين التوعية والعمل الميداني، مثل حملات التشجير، تنظيف الشواطئ والغابات، مشاريع إعادة التدوير المجتمعية، مما يترجم الوعي إلى فعل مباشر ويقوي حس الملكية المجتمعية للبيئة.
-المراقبة والإبلاغ: توعية المجتمع بآليات الإبلاغ عن المخالفات البيئية ومراقبة أداء المؤسسات الحكومية والخاصة في المجال البيئي.
-سد الفجوات: العمل في المناطق أو مع الفئات التي لا تغطيها برامج التوعية الحكومية بشكل كافٍ.
-الشبكات والتعاون: تكوين شبكات محلية وإقليمية ودولية لتبادل المعرفة وأفضل الممارسات في مجال التوعية البيئية وتضخيم تأثيرها.

التكامل بين المجتمع المدني والجهات الأخرى
تكامل مع الحكومة: المجتمع المدني ليس بديلاً عن الحكومة، بل شريك أساسي. يجب أن تعمل الحكومة على:
تهيئة بيئة تمكينية (قوانين داعمة، تمويل، شفافية).
التعاون مع منظمات المجتمع المدني في تصميم وتنفيذ الحملات والبرامج الوطنية للتوعية البيئية.
الاستفادة من تقاريرها وأبحاثها.
تكامل مع القطاع الخاص: يمكن للمجتمع المدني الضغط على الشركات لتبني ممارسات مستدامة وتوعية موظفيها وعملائها، كما يمكن للشركات دعم مبادرات التوعية البيئية للمجتمع المدني.
تعد التوعية البيئية السلاح الأهم في معركة الحفاظ على كوكبنا، وهي عملية لا يمكن أن تنجح بمعزل عن المجتمع المدني النشط والمؤثر. يمتلك المجتمع المدني المصداقية والقدرة على الوصول والابتكار والمرونة اللازمة لجعل التوعية البيئية عملية حيوية ومستدامة تلامس حياة الناس وتحفزهم على التغيير. تعزيز هذا الدور ودعم شراكة حقيقية بين المجتمع المدني والحكومات والقطاع الخاص هو الطريق الأمثل لبناء مجتمعات واعية بيئيًا، فاعلة، وقادرة على مواجهة التحديات البيئية الراهنة والمستقبلية وضمان مستقبل مستدام للجميع. نجاح هذه الشراكة هو نجاح للبيئة والإنسانية معًا.
