Home / مشكلة وحل / اجتماعي / الجرح العميق: عمالة الأطفال.. الوجه المنسي لكارثة الحرب السورية: أسامينا- خاص

الجرح العميق: عمالة الأطفال.. الوجه المنسي لكارثة الحرب السورية: أسامينا- خاص

الجرح العميق: عمالة الأطفال.. الوجه المنسي لكارثة الحرب السورية
أسامينا- خاص


في ظل دوي المدافع ودمار المدن، ولدت مأساة أخرى صامتة لكنها تنخر في جسد المجتمع السوري: عمالة الأطفال. تحول ملايين الأطفال من طلاب يحملون الحقائب إلى عمال يحملون أعباء لا تطيقها أجسادهم الطرية، ضحايا مباشرون لصراع الكبار، وأحد أعمق جروح الحرب التي ستستغرق عقوداً لالتئامها.

مقياس الكارثة: أرقام تصرخ:

تشير أحدث التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) لعام 2023 إلى أن ما لا يقل عن 90% من الأطفال في سوريا يعيشون في فقر مدقع، مما يدفعهم بقوة إلى سوق العمل. وتُقدر المنظمة أن واحد من كل ثلاثة أطفال سوريين (أي قرابة 2.8 مليون طفل) منخرط في سوق العمل بشكل أو بآخر. أما منظمة “سيف ذا تشيلدرن” فتشير في تقريرها الصادم “الجيل الضائع” (2024) إلى أن عمالة الأطفال تضاعفت أكثر من ثلاث مرات منذ بداية الحرب، مع ارتفاع حاد في أسوأ أشكالها.

وجه المأساة: من دكاكين الخياطة إلى حقول الألغام:
لم تعد عمالة الأطفال تقتصر على المهن “الخفيفة”، الحرب خلقت بيئة قاسية دفعت الأطفال إلى هوة أسوأ أشكال العمل:

العمل في الصناعات الخطرة: ورش الحدادة والميكانيكا حيث الحروق والجروح والاستنشاق اليومي للأبخرة السامة. مصانع تعبئة المواد الغذائية أو الألبان بظروف غير صحية وساعات عمل ممتدة.
معامل الألبسة حيث يعمل الأطفال كخياطين أو مساعدين لساعات طويلة مقابل أجر زهيد.
التسول والأنشطة غير الرسمية في الشوارع: بيع المناديل، تنظيف زجاج السيارات، جمع الخردة (المعدن، البلاستيك) من بين الأنقاض الملوثة أو حتى حقول الألغام المحتملة.
يُعد هذا الشكل الأكثر انتشاراً ومرئية في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب وإدلب.

الزراعة الموسمية الشاقة: في مناطق الريف، يُجبر الأطفال على العمل ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة في زراعة وحصاد محاصيل مثل القطن والبطاطا، مع تعرضهم للمبيدات الحشرية وأعباء جسدية تفوق طاقتهم.

الزواج المبكر (كشكل من أشكال العمالة غير المباشرة): يُدفع بالفتيات الصغيرات للزواج مبكراً لتخفيف العبء الاقتصادي عن الأسرة، وهو شكل خفي من أشكال الاستغلال الاقتصادي يحرمهن من طفولتهن وتعليمهن ومستقبلهن.

جذور الأزمة: لماذا يتحول الطفل إلى معيل؟

هذا الوباء ليس من فراغ، بل هو نتاج مركب لتداعيات الحرب المدمرة:

الفقر المدقع والانهيار الاقتصادي:(وفقاً لتقرير البنك الدولي 2023، انكمش الاقتصاد السوري بأكثر من 60% منذ 2011). فقدان مصادر الدخل الأساسية، التضخم الجامح (تجاوز 150% سنوياً في بعض السنوات)، وارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل جنوني، جعل عمل الطفل ضرورة قصوى لسد الرمق.

الموت والنزوح والتفكك الأسري: مقتل أو إصابة أو اختفاء مئات الآلاف من المعيلين الذكور، أجبر الأطفال، خاصة الذكور الأكبر سناً، على تحمل المسؤولية. النزوح الداخلي والخارجي مزق شبكات الأمان الاجتماعي والعائلي.

انهيار النظام التعليمي:(تقارير اليونيسكو تشير إلى تدمير أو إتلاف ثلث المدارس تقريباً). المدارس المدمرة، نقص المعلمين المؤهلين (هجرة أو وفاة)، المخاطر الأمنية في الطريق إلى المدرسة، وعدم قدرة الأسر على تحمل تكاليف التعليم حتى لو توفر (كتب، ملابس، مواصلات) – كلها حواجز جعلت العمل خياراً أكثر “جاذبية” أو واقعية من التعليم.
الثقافة المجتمعية واليأس: في ظل غياب الأفق، تراجعت القيمة المتصورة للتعليم لدى بعض الأسر لصالح اكتساب مهارة عملية (حتى لو بسيطة) أو دخل فوري. الضغط المجتمعي على الأطفال الذكور ليصبحوا “رجالاً” ويعيلوا.
استغلال أرباب العمل:
استغلال حاجة الأسر وضعف الرقابة الحكومية (خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام)، بتشغيل الأطفال بأجور زهيدة جداً (قد لا تتجاوز دولار أو دولارين يومياً)، وساعات طويلة، وفي ظروف عمل لا تراعي أدنى المعايير.

الندوب التي لا تمحى: تكلفة تفوق الحساب:

ثمن عمالة الأطفال لا يدفع اليوم فقط، بل يرهن مستقبل جيل بأكمله:

الصحة الجسدية: إصابات العمل (كسور، حروق، بتر)، أمراض الجهاز التنفسي من استنشاق الغبار والأبخرة، التسمم بالمبيدات أو المواد الكيميائية، تشوهات العمود الفقري من حمل الأثقال، سوء التغذية، والإرهاق المزمن.
الصحة النفسية: (بحسب دراسات **منظمة الصحة العالمية و منظمات محلية مثل “فافو” النرويجية). الصدمات النفسية، الاكتئاب، القلق، العدوانية، فقدان الثقة، والشعور بالظلم والإحباط. حرمانهم من طفولة طبيعية يخلق جيلاً يحمل غضباً عميقاً.

الحرمان التعليمي والأمية: انقطاعهم عن التعليم يحرمهم من المهارات الأساسية للمستقبل، ويحولهم إلى جيل أمي أو شبه أمي، مما يقوض أي فرصة حقيقية لإعادة إعمار سوريا مستقبلاً. اليونيسف تحذر من خطر نشوء “جيل ضائع”.
الاستغلال والإساءة: الأطفال العاملون، خاصة في الشوارع أو في أماكن غير خاضعة للرقابة، معرضون بشكل كبير للاستغلال الجنسي، والتحرش، والعنف الجسدي واللفظي من قبل أرباب العمل أو الجمهور.
دورة الفقر المستدامة: الطفل العامل اليوم هو الأب الفقير غير المتعلم غداً، والذي سيجبر أطفاله بدورهم على العمل، مما يؤدي إلى استمرار دورة الفقر والجهل عبر الأجيال.

    Tagged:

    Leave a Reply

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *