الصناعات الغذائية في سوريا – أسامينا … خاص
تتشابك جذور الصناعات الغذائية في سوريا مع تربة خصبة من التاريخ الزراعي العريق والإرث الحضاري الغني، لتصنع قطاعاً صناعياً حيوياً يُمثل عصباً رئيسياً في الاقتصاد الوطني ودرعاً للأمن الغذائي. لطالما كانت سوريا “سلة غذاء” طبيعية بفضل تنوع مناخها وخصوبة أراضيها، فتحولت هذه الميزة الطبيعية بفعل الابتكار والاستثمار إلى صناعة متجذرة تُواجه التحديات بعناد وتُصدر الجودة إلى العالم. من معاصر الزيتون العتيقة في إدلب وحماة إلى مصانع المعلبات والمياه الغازية الحديثة في دمشق وحلب، ومن منتجات الألبان في ريف دمشق إلى الحلويات الشهيرة في حماة، نسجت الصناعات الغذائية السورية نسيجاً معقداً من الإنتاج يلبي حاجات السوق المحلي ويحمل علامات سورية مميزة إلى الأسواق الإقليمية والعالمية. على الرغم من العواصف السياسية والاقتصادية العاتية التي عصفت بالبلاد، ظل هذا القطاع صامداً، بل ومتطوراً في جوانب، ليُثبت أنه ليس مجرد صناعة، بل قصة مرونة وتحدٍ وتأقلم مع أصعب الظروف، وقصة إصرار على البقاء والمنافسة بجودة تُحكى في الأسواق العربية والعالمية.
الصناعات الغذائية في سوريا
. نظرة تاريخية وأهمية القطاع:
جذور عميقة: تعود أصول التصنيع الغذائي المنظم في سوريا إلى النصف الأول من القرن العشرين، مع تأسيس مصانع للحلويات والمعلبات والمياه الغازية (مثل الدريكيش، كوكاكولا سوريا – سابقاً).
دور محوري: يُعتبر من أقدم وأهم القطاعات الصناعية في سوريا، مساهماً بشكل كبير في:
الناتج المحلي الإجمالي (GDP): يشكل نسبة مهمة من القطاع الصناعي غير النفطي.
العمالة: يوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لمئات الآلاف.
الأمن الغذائي يلعب دوراً حاسماً في توفير الغذاء الأساسي للسكان.
الصادرات: مصدر رئيسي للعملات الأجنبية (قبل الأزمة وبشكل متجدد حالياً)، خاصة إلى الدول العربية المجاورة والخليج وأوروبا.
ربط القطاعات: يربط بشكل مباشر بين القطاع الزراعي (توفير المواد الخام) والقطاع الاستهلاكي.

..أبرز فروع الصناعات الغذائية:
طحن الحبوب وإنتاج الدقيق والمعكرونة: قطاع أساسي وضخم، مرتبط بمحصولي القمح والشعير المحليين. توجد مطاحن رئيسية في مختلف المحافظات.
صناعة الزيوت النباتية: خاصة زيت الزيتون (سوريا من أهم المنتجين عالمياً، معاصر حديثة وتقليدية) وزيت بذرة القطن وزيت عباد الشمس. مراكز رئيسية في إدلب، حماة، اللاذقية.
صناعة المعلبات: (مربيات، مخللات، صلصات طماطم، فواكه وخضروات معلبة). مشهورة بجودتها وتصديرها. مركزة في دمشق، ريف دمشق، حماة، درعا.
منتجات الألبان: (أجبان بيضاء وصفراء، لبنة، زبدة، زبادي، حليب معقم، مثلجات). قطاع متنوع بين مصانع كبيرة (مثل شام دياري، نادك، المراعي سابقاً) ومشاغل صغيرة تقليدية. مراكز في ريف دمشق، حلب، حمص.
المشروبات: (مياه غازية، عصائر، مياه معدنية). شركات شهيرة مثل الدريكيش وعنبسة وعطروشه. مراكز في دمشق، حمص، اللاذقية.
الحلويات والمكسرات: حلويات عربية (بقلاوة، مبرومة…) ومكسرات محمصة ومملحة. مشهورة عالمياً، خاصة من دمشق وحماة وحلب.
صناعة السكر: معمل السكر في حمص (كان الأكبر والأهم) ومعمل في درعا. يعتمدان على بنجر السكر وقصب السكر المحلي.
صناعة الشوكولاتة والحلويات الصناعية: عدة مصانع راسخة.
صناعة البسكويت والكيك: تلبية للطلب المحلي الكبير.
تعليب وتجفيف الأعشاب والبهارات: خاصة في الساحل السوري.
صناعة العلف الحيواني: مرتبطة بتربية المواشي والدواجن.
. التوزيع الجغرافي:
تنتشر الصناعات الغذائية في معظم المحافظات السورية، لكن هناك تركيز في:
دمشق وريف دمشق:(مشروبات، ألبان، معكرونة، بسكويت، حلويات، تعليب).
حلب: (مطاحن، زيوت، ألبان، حلويات، مكسرات).
حمص: (سكر، مشروبات، ألبان، زيوت).
حماة: (زيوت زيتون، مطاحن، تعليب، حلويات تقليدية).
إدلب وريفها: (زيوت زيتون – الأكبر في سوريا، معاصر حديثة وتقليدية).
اللاذقية وطرطوس: (مشروبات، تعليب، ألبان، أعشاب).
درعا: (سكر، تعليب خضار).
. التحديات التي تواجه القطاع (خاصة بعد 2011):
انقطاع التيار الكهربائي والوقود: يؤثر بشدة على قدرة التشغيل وزيادة التكاليف.
ندرة وغلاء المواد الخام: نتيجة تراجع الإنتاج الزراعي المحلي، صعوبات الاستيراد، تقلبات الأسعار العالمية.
تدهور البنية التحتية: تدمير أو تلف بعض المصانع والطرق ووسائل النقل.
القيود المالية والمصرفية والعقوبات: صعوبة استيراد قطع الغيار والمواد الأولية والتكنولوجيا، صعوبة التحويلات المالية للتصدير.
فقدان الأسواق التصديرية التقليدية: نتيجة الأزمة والعقوبات.
انخفاض القوة الشرائية للمواطن: مما يقلص السوق المحلي ويزيد المنافسة.
نقص الكوادر الفنية المؤهلة: نتيجة الهجرة.
مشاكل التسويق والمنافسة غير العادلة: (منتجات مهربة أو مدعومة بشكل غير قانوني).


. الفرص والاتجاهات الحديثة:
المرونة والصمود: أثبت القطاع قدرة كبيرة على التكيف واستمرار الإنتاج رغم التحديات.
الاعتماد على المواد الخام المحلية: تحفيز الزراعة المحلية وتقليل فاتورة الاستيراد.
التحول نحو الطاقات البديلة: (الطاقة الشمسية) لتخفيف أزمة الكهرباء.
استعادة وتوسيع الأسواق التصديرية: خاصة في الدول المجاورة والصديقة (العراق، لبنان، الجزائر، روسيا، بعض دول الخليج). التركيز على الجودة والنكهة المميزة للمنتجات السورية.
تطوير خطوط إنتاج جديدة: لتلبية احتياجات السوق المحلي وتقليل الاستيراد.
الاهتمام بجودة وسلامة الغذاء: تطبيق معايير (HACCP, ISO) لتحسين الجودة وفتح أسواق جديدة.
التوجه نحو التغليف والتسويق الحديث: لتعزيز الصورة التنافسية.
. واقع التصدير:
شهد تراجعاً حاداً خلال ذروة الأزمة ولكنه يشهد انتعاشاً تدريجياً في السنوات الأخيرة.
أبرز الصادرات: زيت الزيتون، المكسرات، الحلويات العربية، المعلبات (خاصة المربى والمخللات)، الأعشاب والبهارات، الحليب البودرة، بعض أنواع الجبن.
الأسواق الرئيسية الحالية: العراق (الأكبر)، دول الخليج (خاصة الإمارات، السعودية)، لبنان، الأردن، الجزائر، روسيا، بعض دول أوروبا وشرق آسيا.
الصناعات الغذائية السورية هي قطاع حيوي وحي يتنفس برغم كل الصعاب. جذوره التاريخية وقدرته الفائقة على التكيف وارتباطه الوثيق بالزراعة المحلية وتميز بعض منتجاته (زيت الزيتون، الحلويات، المكسرات) تشكل عوامل قوة أساسية. رغم التحديات الجسيمة المتعلقة بالطاقة والتمويل والبنية التحتية والعقوبات، يسير القطاع على طريق التعافي البطيء، مدفوعاً بجهود القطاع الخاص أساساً، معتمداً على العلامات التجارية الراسخة والجودة التي اكتسبت سمعة عالمية. يعتمد مستقبله على استمرار جهود التكيف، استقرار الأوضاع بشكل عام، رفع كفاءة الإنتاج، تطوير البنية التحتية، فتح أسواق تصديرية جديدة، والاستثمار في التكنولوجيا والطاقات المتجددة. يبقى هذا القطاع شاهداً على إصرار الاقتصاد السوري ومرونته، وأحد الرهانات الأساسية لإعادة الإعمار وتحقيق الأمن الغذائي.
ملحق (جدول موجز لأهم المنتجات ومراكزها التقليدية):
زيت الزيتون: إدلب، حماة، اللاذقية، طرطوس إدلب الأكبر، جودة عالية، تصديري
المعلبات (مربى، مخلل) دمشق، ريف دمشق، حماة، درعا سمعة جيدة، تصديرية
الحلويات العربية دمشق، حماة، حلب مشهورة عالمياً، تصديرية
المكسرات حلب، دمشق تصديرية، جودة عالية
الأجبان والألبان ريف دمشق، حلب، حمص تنوع بين مصانع كبرى وتقليدي
المشروبات الغازية دمشق، حمص، اللاذقية الدريكيش، عنبسة، عطروشه رموز
طحن الحبوب/دقيق منتشر (حلب، حمص، حماة، درعا…) مرتبط بمناطق زراعة القمح
السكر حمص، درعا يعتمدان على محاصيل محلية
الزيوت النباتية الأخرى حلب (قطن، عباد الشمس) مرتبط بالمحاصيل
