الملف السوري ينتقل من “براك” إلى الأدميرال كوبر: عسكرة الدور الأميركي وتحوّل في هندسة الصراع
أسامينا
وائل المولى
بشكل غير متوقع قررت الإدارة الأمريكية استبدال المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس براك بالأدميرال تشارلز برادلي كوبر، القائد الحالي للقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، خطوة بروتوكولية عابرة. بل هو مؤشر على تحوّل جذري في المقاربة الأميركية، من إدارة الملف السوري عبر الأدوات الدبلوماسية إلى إدخاله مباشرة في صلب المؤسسة العسكرية ـ الاستخباراتية. هذا التحول يعكس قناعة واشنطن أن الصراع في سوريا لم يعد قابلاً للضبط عبر المفاوضات وحدها، وأن المرحلة المقبلة تتطلب مقاربة أكثر صلابة وحسمًا.
خلفية: من القوة الناعمة إلى القوة الصلبة
طوال الفترة السابقة ما بعد الحرب السورية، اعتمدت واشنطن على “منصة سوريا الإقليمية” في إسطنبول، حيث تولى دبلوماسيون بارزون رفع تقاريرهم إلى براك، في محاولة لتحريك مسارات التفاوض واحتواء الانفجارات الميدانية. غير أن إخفاق تلك المقاربة، إلى جانب تسريح كبار الدبلوماسيين المعنيين بالملف خلال الأيام الماضية، يكشف أن البنية الدبلوماسية قد تم تفكيكها، لصالح إحلال بنية أمنية ـ عسكرية بديلة.
تفكيك التغيير: من براك إلى كوبر
• براك جسّد الوجه السياسي – التفاوضي، مع رهان على الحلول التدريجية والضغط الدبلوماسي.
• كوبر، القادم من خلفية عسكرية واستخباراتية، يمثل انتقالًا إلى إدارة تعتمد على التنسيق العسكري المباشر، وضبط التوازنات الإقليمية عبر حضور القوة الصلبة.
بهذا المعنى، لم يعد الملف السوري مجرد ورقة في أروقة الخارجية الأميركية، بل أصبح في قلب الحسابات العسكرية للـ CENTCOM.
أهداف واشنطن الاستراتيجية (تقدير OSINT)
زيارة الأدميرال كوبر الأخيرة إلى دمشق ولقاؤه رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع حملت إشارات واضحة إلى الأهداف الأميركية الجديدة:
- مكافحة الإرهاب: تعزيز تبادل المعلومات حول خلايا داعش النائمة، ومنع التنظيم من العودة كتهديد عابر للحدود.
- تنسيق عسكري ـ أمني: إيجاد آليات تمنع الاحتكاك بين تركيا وإسرائيل، مع تأمين طرق التجارة والممرات النفطية شرق المتوسط.
- فتح قناة مباشرة مع دمشق: بهدف تعزيزالرؤية الأميركية في الملفات الحساسة، ومنع استخدام الأرض السورية كمنصة لقوى معادية
- توظيف سوريا كورقة إقليمية: الاستفادة من موقعها الجيوسياسي ومواردها في معادلة الردع مع خصوم واشنطن.
المستوى الإقليمي: ضبط التوازنات
التحول الأميركي يأتي في لحظة إقليمية معقدة:
• تصاعد التوتر مع إيران واحتمال تمدد إعادة أذرعها عبر العراق وسوريا ولبنان.
• تناقض الأجندات التركية والإسرائيلية على الأراضي السورية.
• التنافس على الممرات النفطية وخطوط الطاقة التي تمر عبر شرق المتوسط.
في هذا السياق، يعكس صعود كوبر إصرار واشنطن على الإمساك بخيوط التوازن الميداني، عبر عسكرة أدواتها وضبط التفاعلات بين القوى المتنافسة.
المستوى المحلي: ارتدادات على الداخل السوري
الانعكاسات المباشرة لن تقتصر على المستوى الإقليمي، بل ستطال الداخل السوري:
• تعزيز مكانة رئيس المرحلة الإنتقالية أحمد الشرع كقناة رسمية للتعامل مع واشنطن ومساعدته في إعادة صياغة نظامه لاحقاً .
• ضغط إضافي على كل الفرقاء في ملف السويداء من العشائر والفصائل المحلية، بما يفرض عليهم التكيّف مع أجندة أكثر صرامة.
• رسائل موازية إلى “قسد” في شرق سوريا بأن الغطاء الأميركي مستمر، لكن وفق آليات أمنية صارمة بدل المظلة السياسية المرنة.
خلاصة
الانتقال من براك إلى كوبر، وتفكيك المنصة الدبلوماسية الأميركية في إسطنبول، يعني أن واشنطن لم تعد ترى في سوريا ملفًا قابلاً للمعالجة عبر الحلول الناعمة، بل باتت تعتبره ساحة اختبار مباشر للقوة الصلبة. في المرحلة المقبلة، ستسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تموضع أكثر حزماً، موازنة النفوذ التركي والإيراني والروسي، وفرض حضورها العسكري ـ الأمني كضامن وحيد لمعادلة الاستقرار.
بكلمات أخرى، اللعبة السورية لم تعد تُدار من خلف الطاولات الدبلوماسية، بل انتقلت بالكامل إلى قلب الحسابات العسكرية الأميركية