ترامب يسرق ذهب العالم ويحوّل ديونه إلى ثروة
أسامينا
الخطة المزدوجة لإنقاذ أمريكا وإفلاس الكوكب
في زمنٍ يتهاوى فيه النظام المالي العالمي وتغرق فيه الدول في ديونٍ تفوق قدرتها على الإنتاج، يخرج ترامب من خلف الكواليس حاملاً مشروعًا مزدوجًا يعيد كتابة قواعد اللعبة من جديد. الرجل لا يخطط فقط لإنقاذ أمريكا، بل لإعادة تشكيل الهرم المالي العالمي برمّته، بحيث تتحول واشنطن من أكثر دولة مديونة في التاريخ إلى أغنى كيان على وجه الأرض، لا عبر الإنتاج ولا عبر الابتكار، بل عبر هندسة مالية شيطانية تجمع بين الذهب والدين، بين الأصل الحقيقي والوهم المحاسبي، بين الصدق الرمزي والخداع الواقعي.
الخطة ببساطة تعتمد على مسارين متوازيين يعملان في صمت. الأول هو إعادة تقييم الذهب، والثاني هو إصدار الدولار الرقمي المدعوم بالسندات. في المسار الأول، يسعى ترامب لإعادة الاعتبار للذهب كأصل مالي حقيقي، لكنه لا يريده أداة تبادل كما في الماضي، بل وسيلة محاسبية لإعادة هيكلة الديون. كيف؟ من خلال رفع السعر الرسمي لأونصة الذهب إلى مستويات فلكية، ربما عشرة آلاف دولار أو أكثر، ما يعني أن الاحتياطات الأمريكية من الذهب — سواء في فورت نوكس أو الاحتياطي الفيدرالي — ستقفز قيمتها المحاسبية عشرات المرات. بهذه الحركة البسيطة، تُعاد صياغة ميزانية الدولة، فينخفض الدين العام نظريًا وتتحول أمريكا من غارقة في العجز إلى متوازنة أو حتى فائضة. إنها ليست معجزة اقتصادية، بل خدعة محاسبية بغطاء ذهبي.

لكن الذهب وحده لا يكفي. فالنظام المالي الأمريكي لا يمكن أن يعيش على أصل ثابت فقط، بل يحتاج إلى حركة وسيولة وقابلية للتحكم. هنا يدخل المسار الثاني من الخطة: الدولار الرقمي المرتبط بسندات الخزانة الأمريكية. العملة الجديدة ليست ورقية، بل رقمية، أي قابلة للبرمجة والمراقبة والسيطرة، وليست مدعومة بالذهب، بل بالدَّين نفسه. كل دولار رقمي سيكون في جوهره سندًا ماليًا، أي دينًا مستقبليًا مغلفًا في هيئة أصل رقمي. هذه هي قمة المفارقة: أن يتحول الدين إلى أصل، والعبء إلى أداة ثروة. وبهذا الابتكار المالي الجهنمي، تُخلق أموال جديدة دون طباعة، فقط عبر تحويل السندات إلى عملات رقمية قابلة للتداول، فتبدو أمريكا وكأنها دفعت ديونها، بينما هي في الواقع حوّلت الدَّين إلى نقد إلكتروني.

وعندما يجتمع المساران معًا — الذهب المرتفع القيمة والدولار الرقمي المدعوم بالسندات — تتحقق المعادلة التي يسعى ترامب لها: ثروة ظاهرها حقيقي وباطنها وهمي، اقتصاد قائم على مزيج من المعدن والخداع. فالذهب يُستخدم لتوليد الثقة، والدولار الرقمي يُستخدم لتوليد السيطرة، والسندات تُستخدم لإعادة تدوير الديون في شكل جديد أكثر بريقًا. وهكذا، بينما يظن العالم أن أمريكا تعود إلى “الذهب الصادق”، تكون واشنطن قد دخلت مرحلة “الرقمنة الموجَّهة”، حيث تُربط كل معاملة وكل ثروة وكل حساب بمنصة رقمية تُدار من قبل الدولة.
العبقرية — أو الخبث — في هذه الخطة أن ترامب لا يواجه النظام المالي العالمي القائم، بل يحتضنه ويعيد تشكيله على الطريقة الأمريكية. فهو لا يرفض الدولار، بل يُعيد تغذيته من منبعين مختلفين: من جهة الذهب كمصدر ثقة خارجي، ومن جهة السندات كمصدر تمويل داخلي. بهذه الثنائية يضرب عصفورين بحجر واحد: يستعيد ثقة الأسواق العالمية التي تترنح بعد عقود من التضخم والدين، ويُعيد تثبيت مركزية الدولار في وجه منافسة الصين وروسيا ومحاولاتهما تأسيس نظام مالي بديل. باختصار، أمريكا تطفئ نار ديونها بذهب العالم، وتخلق من رمادها عملة رقمية جديدة تتحكم بالعالم عبر الدين ذاته.
ما يجري ليس إصلاحًا ماليًا بل انقلاب هادئ على النظام النقدي القائم منذ السبعينات. فبدل أن يعود العالم إلى معيار الذهب الصلب، سنُقاد جميعًا إلى معيار “الذهب المحسوب” والدَّين المرمّز، حيث يصبح كل دولار رقمي قيدًا على المستقبل، وكل معاملة مالية خطوة أعمق داخل سجنٍ رقمي لا مفر منه. في الظاهر يبدو أن ترامب يُعيد أمريكا إلى القوة، لكن في العمق هو يُدخل البشرية في مرحلة “العبودية المالية الذكية”، حيث تُقاس الحرية بعدد الأصفار على الشاشة، لا بعدد الأونصات في الخزينة.
وفي النهاية، ستبدو واشنطن كأنها انتصرت على الديون، بينما تكون قد حوّلت ديونها إلى عبء على بقية دول العالم. فمن لا يملك ذهبًا سيُجبر على التعامل بالدولار الرقمي الجديد، ومن يرفض الدخول في النظام سيُعزل ماليًا ويُخنق اقتصاديًا. إنها لعبة “الهيمنة عبر الدين” بنسختها الرقمية، حيث تتحول أمريكا من الدولة المدينة إلى المُقرض الأعظم، لا لأنها سددت ديونها، بل لأنها جعلت العالم كله يدفعها عنها.

يا سادة يا كرام ….
ما يبدو اليوم خطة إنقاذ وطنية هو في جوهره مشروع “إعادة ضبط كبرى” بوجه أمريكي. الذهب سيُرفع ليغطي الكذب، والدين سيُرقمن ليُقدَّم كأصل، والدولار سيُبعث من جديد لا كرمز للحرية، بل كسلسلة إلكترونية من قيودٍ مالية تُمسك برقاب الأمم. وهكذا، تحت شعار “استعادة العظمة”، قد نشهد أخطر عملية نقل ثروة في التاريخ: من جيوب الشعوب إلى خوادم وول ستريت. وبينما ينشغل العالم بالأسعار والفوائد، سيكون ترامب قد أنهى ما بدأه نيكسون: فصل المال عن الحقيقة، وربط البشر بالنظام لا بالأرض ولا بالذهب، بل بالديْن ذاته.