حقوق الملكية الفكرية في القانون السوري – أسامينا
الملكية الفكرية في القانون السوري… حارس الإبداع وحجر أساس النهضة في زمن التحديات
في عالمٍ صارَت فيه الفكرةُ أغلى من الذهب والابتكارُ سلاحاً للتنافس والإبداعُ عُملةً صعبةً يقف حق الملكية الفكرية كحارسٍ أمينٍ على شعلة العقل البشري، وكجسرٍ يربط بين عبقريّة المخترع وأحلام المجتمع بالازدهار.
أسامينا -خاص
الاستاذة المحامية بتول جبان
ما هو مفهوم الملكية الفكرية؟
الملكية الفكرية هي كل ما ينتجه الفكر الانساني من اختراعات وابداعات فنية وغيرها من نتاج الفكر الانساني. فالمنظمة العالمية الفكرية ترى بأن الملكية الفكرية تشير إلى أعمال الفكر الإبداعية من الاختراعات والمصنفات الأدبية والفنية والرموز والأسماء والصور والنماذج والرسوم الصناعية.
وتعد الممارسة الفكرية الابداعية من أشرف الممارسات الإنسانية، والحق الفكري أو الذهني حق يتربع بدون منازع على عرش كل الحقوق ويحتل مركزاً بارزاً ضمن حقوق الملكية وذلك بفضل ملكة العقل التي وهبها الله عز وجل للإنسان لتمكينه من الخروج من ظلمات الجهل الى العلم.
فإذا كان الإنتاج المادي يشكل عنصراً هاماً في بناء الأمم وتقدمها فإن الانتاج الفكري لا يقل أهمية عن الانتاج المادي حيث يتم من خلاله ارساء الأسس لجميع صور التقدم، حيث تقاس درجة تقدم أي شعب بمدى ما وصل إليه من تعليم وثقافة، وبمدى مستوى الحماية التي تتوفر للإبداع الفكري الوطني. ولهذا يتوجب فرض حماية على الملكية الفكرية وحماية حقوق صاحب الملكية الفكرية (المؤلف).
وطريقة أو كيفية حماية حقوق الملكية الفكرية أو حقوق المؤلف تختلف من بلد إلى آخر، ولكن حسب العديد من الدراسات القانونية والنظريات الفقهية فإن حقوق المؤلف تقوم على حقين أساسين هما: حق مادي وحق معنوي.
وبالنسبة للقانون السوري نجد أن المشرع السوري أفرد حماية خاصة للملكية الفكرية و لحقوق المؤلف أي لحقوق صاحب الملكية الفكرية، وذلك من خلال القانون رقم /12/ الصادر في عام 2001 المتعلق بحماية حقوق المؤلف.
وبالاطلاع على نصوص هذا القانون نجد كيف يحمي القانون السوري الحق المادي للملكية الفكرية، كما نجد ما هي التصرفات القانونية التي حددها المشرع السوري والتي يمكن أن يقوم بها صاحب الحق الفكري لنقل فكره للغير أو تمكين الغير من استثماره، وذلك من خلال ما هو آتي.
أولا: الحق المادي للملكية الفكرية في القانون السوري.
عرف القانون السوري رقم /12/ الصادر في عام 2001 المتعلق بحماية حقوق المؤلف في المادة الأولى منه حق ملكية المؤلف بأنه:” مجموعة المصالح المعنوية والمادية التي تثبت للشخص على مصنفه”.
فالملكية الفكرية ذات ازدواجية تجعلها تنطوي على شقين و أحد هذان الشقين هو الشق المادي، أي الحق المادي. والحق المادي في القانون السوري هو الحق الذي يجعل لصاحب الحق سلطة مباشرة على الشيء الواردة عليه الملكية فيكون له حق التصرف القانوني به.
كما أن الحق المادي للملكية الفكرية أيضا هو الحق الذي يرد للمؤلف على مصنفه ويؤدي إلى تمتعه بهذا الحق إلى المحافظة على العوائد المادية الناتجة عن اختيار المؤلف استغلال المصنفة بالطريقة التي يراها مناسبة دون مزاحمة غيره فتعود له وحده العوائد المادية الناتجة عن هذا الاستغلال، كما أن الحق المادي للمؤلف هو حق استئثاري، أي أنه الشخص الوحيد الذي يملك التصرف بمصنفة أو الترخيص للغير باستغلاله واستثماره.
ولا يقبل الحق المادي لملكية المؤلف المادية الحجز، وإنما يمكن حجز نسخ المصنف الذي سبق نشره. وهذا ما أكدته المادة (10) من القانون السوري لعام 2001 التي تنص على أنه: >>يحق للدائن بيده سند مكتوب على المؤلف كالاتفاق أو العقد أو سند الدين أن يلقي الحجز الاحتياطي على نسخ المصنف الذي تم نشره من قبل مؤلفه وعلى نفقته الخاصة، ولا يجوز الحجز على حق المؤلف في نشر مصنفه أو نسبته إلى مؤلفه أو بدفع أي اعتداء يقع على مصنفه أو بسحبه من التداول<< .
و ينتقل هذا الحق بالوصية فقط، إذ يجوز للمؤلف أن يوصي بحق الاستغلال المالي لمصنفه لشخص أو أشخاص معينين. وهذا ما نصت عليه المادة 20 من القانون السوري لعام 2001.
وإذا لم يوصي المؤلف فإن الحق المادي للمؤلف يعتبر حق مؤقت، حيث تبدأ المدة المؤقتة بعد وفاة المؤلف، وتزول بانتهائها حق ورثته في احتكار الاستغلال المالي للمصنف. ويهدف هذا التوقيت إلى تحقيق المصلحة العامة التي تقتضي سهولة نشر نتاج العقل البشري من دون عقبات، واستفادة جميع الناس من هذا التراث المشترك للمجتمع.
كما يقبل الحق المادي للمؤلف التنازل عنه للغير لاستثمار عمله الفكري مالياً، وذلك لأنه يدخل في دائرة التعامل، وبالتالي فهو يدخل في العنصر الإيجابي للذمة المالية لصاحبه. وهذا ما أكدته المادة 5 من القانون رقم 12 لعام 2001حيث نصت على: “لمؤلف المصنف المشمول بالحماية وحده الحق في تقرير نشر مصنفه وفي اختيار طريقة هذا النشر وله وحده ولمن يأذن له خطيا حق استثمار مصنفه ماليا بأي وسيلة أو شكل كان ولا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق دون إذن كتابي منه أو ممن يخلفه”. وكما نصت المادة 14 من القانون نفسه على: “للمؤلف ان ينقل الى غيره الحق في مباشرة حقوق الاستثمار المنصوص عليها في المادتين/5/ و/6/ من هذا القانون ويكون ذلك بصورة كتابية وبتحديد واضح لكل حق في التصرف على حدة”.
وبالتالي فإنه يمكن للمؤلف أن يتنازل عن حق الاستغلال المالي لمصنفه قبل إنجازه أو بعد ذلك، كما يمكن أن يكون التنازل بمقابل أو من دون مقابل. وإذا كان بمقابل فإن هذا المقابل يمكن أن يكون مبلغاً جزافاً أو نسبة من الإيراد أو كليهما معاً. ولا يؤثر التنازل عن الاستغلال المالي للمصنف في الحق المعنوي للمؤلف عليه، وبالتالي يبقى الحق للمؤلف في أن ينسب المصنف إليه. كما يحق له أن يمنع المتنازل له عن إجراء أي تعديل أو تحوير لمصنفه. وإذا كان المصنف وقت التنازل عن استغلاله المالي غير منجز فإن المؤلف وحده الذي يقرر بعد إنجازه صلاحيته للنشر. كما يمكن للمؤلف أن يقرر سحب المصنف الذي سبق له أن تنازل عن حق استغلاله المالي من التداول شريطة أن يحصل على قرار بذلك من المحكمة المختصة. وإذا ألحق سحب المصنف من التداول ضرراً بالمتنازل له يجب على المؤلف تعويضه عن ذلك الضرر.
يتبع..

