Home / أخبار حول العالم / سلام “البجعة السوداء” في الشرق الأوسط ؟!

سلام “البجعة السوداء” في الشرق الأوسط ؟!

أسامينا


نبيه البرجي
رأى الفيلسوف الروماني اميل سيوران الذي قال بجدلية العلاقة بين اللغة والفلسفة “أن الشيطان أبلغ من يعنيهم الأمر بأنه بات عاجزاً عن استيعاب هذا العالم , دون أن ندري الى من أوكلت هذه المهمة . الى فرد ما بعينه أم الى البشرية جمعاء”. قد تكون الاجابة أو لا تكون في رسالة آل باتشينو الى ابليس “الأمور هنا تسير على النحو الذي تريده , الناس أصبحوا أكثر سوءأ منك” .
لن نخوض في الجدل الذي أحدثه الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور حول ما اذا كان الشر يوجد في كل كائن بشري , لنصل الى هذا السؤال الى من تتجه أصابع الأكثرية اذا ما طلب اليها تحديد الرجل الذي انتقلت اليه مهمة الشيطان ؟
بانتظار أن يوقع دونالد ترامب على قرار تنفيذي بفرض عقوبات على لجنة نوبل المختصة , مثلما وقّع قراراً تنفيذيا بحق المحكمة الجنائية الدولية لاتهامها بنيامين نتنياهو بالابادة كونه “الصبي الأميركي” في الشرق الأوسط , هل كان الرجل يتوقع أن نكون اللجنة على ذلك المستوى من الغباء لمنحه جائزة نوبل للسلام مثلما منحت للرؤساء الأميركيين الآخرين , أي باراك أوباما وودرو ويلسون وفرنكلين روزفلت , أو لوزيري الخارجية الأميركيين جورج مارشال وهنري كيسنجر , ناهيك عن داغ همرشولد ومارتن لوثر كينغ ونلسون مانديلا والأم تيريزا ؟
من من أعضاء اللجنة لايعلم أن ترامب هو من زوّد نتنياهو بكل أنواع القنابل الهائلة لتدمير قطاع غزة , ولقتل عشرات الآلاف من أهلها , بمن فيهم أطفال الامعاء الخاوية والطناجر الخاوية الذين كان الطيارون يتلهون باطلاق النار على رؤوسهم , وأحياناً كثيرة على جثثهم …
ولطالما قلنا أن مهمة نتياهو أن يفرش الطريق الى الشرق الأوسط بجثث الفلسطينيين واللبنانيين , وغيرهم وغيرهم , لا بالورود , وصولاً الى السلام الأميركي Pax Americana الذي هو السلام الاسرائيلي Pax Israeliana , دون اغفال مدى التماهي الايديولوجي , والاستراتيجي , بين الأمبراطورية الأميركية والدولة العبرية . من تراه يفهم أي سلام ذاك فوق الجماجم ؟
حجة نائب الرئيس جيمس ديفيد فانس أن الرئيس , باعتباره مبعوثاً من السماء , يريد تحويل المنطقة من الجحيم الذي عاشته منذ مائة عام (من صنع ذلك الجحيم ؟) الى الفردوس . ولكن منذ أن أمر الرئيس دوايت ايزنهاور بريطانيا وفرنسا بالخروج من قناة السويس خريف 1956 ليكون الغروب الأخير للأمبراطوريتين , واطلاق “مبدأ ايزنهاور” لـ”ملء الفراغ في الشرق الأوسط” , والكلمة الأولى وربما الوحيدة لاميركا .
الصينيون الذين يحترفون استراتيجية التسلل من الأبواب الخلفية لا أثر لهم على المسرح السياسي لسائر البلدان العربية وصولاً الى القوس الذي يمتد من مضيق جبل طارق الى مضيق الدردنيل . أما الدببة القطبية فقد كان أداؤها العسكري مثل أداء راقصات البولشوي على وقع سنفونية “بحيرة البجع” لتشايكوفسكي. هذا لنكون أمام سلام “البجعة السوداء” , بالخلفيات الملتبسة وبالآفاق الملتبسة , وذلك باستغلال مروع للتصدع الدراماتيكي بين الدول العربية التي في حالة حرب أهلية مفتوحة في ما بينها , باللوثة القبلية التي تستوطن حتى عظامنا .
دومينيك دوفيلبان , رئيس الوزراء الفرنسي السابق , وقد عرف بتشكيكه الدائم بالسياسات وبالاستراتيجيات الأميركية والاسرائيلية , أمل ألا يكون مصير خطة السلام الحالية مماثل لمصير اتفاق أوسلو , سائلاً ما اذا كان الشيطان هذه المرة قد ارتدى أجنحة بيضاء , لنسأل بدورنا ما اذا كان الشيطان لا يزال على قيد الحياة منذ أن قتل قايين هابيل ليظل حجر قايين , وكما كتبنا أكثر من مرة , يتدحرج عبر الأزمنة حتى استقر في عقر دارنا !
ليتنا خرجنا من غبار داحس والغبراء وقد سد الآفاق مثلما خرج الاسبان من الحرب الأهلية بـ”ميثاق النسيان” Pacto del olvido , ودون أن ننسى قول هنري كيسنجر “To be an enemy of America can be dangerous , but to be a friend is fatal” , أي “أن تكون عدواً لأميركا يمكن أن يكون خطراً , أما أن تكون صديقاً فهذا قاتل” .
نعلم أننا قتلى الحرب الأميركية مثلما نحن قتلى السلام الأميركي , حتى اذا ما أخذنا بالنظرة السوداوية الى المشهد بعد كل ذلك التهليل لخطة دونالد ترامب , اسألوا الجثث التي لا تزال تنتشل من تحت الأنقاض في لبنان . المؤرخ الاسرائيلي توم سيغيف سأل ما اذا كان الرئيس الأميركي يستطيع تعطيل المهمة الالهية لنتنياهو باقامة اسرائيل الكبرى , وما اذا كان الحلم الأميركي في الشرق الأوسط American Dream يختلف عن الحلم الاسرائيلي ؟ هراء ………

جريدة الصباح العراقية

Tagged:

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *