Home / أخبار حول العالم / شرق أوسط في زمن المجانين

شرق أوسط في زمن المجانين

أسامينا


نبيه البرجي
كيف تمكن الايرانيون , وفي ذروة الزمن الأميركي , من أن يستقطبوا أهتمام , وعداء , العالم . أهي حساسية الموقع الجغرافي , أم حساسية الموقع التاريخي . أم هو الانفجار الايديولوجي الذي أحدثوه في الشرق الأوسط , بالرغم من قول فرنسيس فوكوياما بنهاية التاريخ , ونهاية الايديولوجيا ؟
في الغرب , أغوتهم ديبلوماسية الظل , أو ديبلوماسية حائكي السجاد , التي أعتمدها الايرانيون . وحين بدأت الغيوم السوداء تتلبد في الأفق , كتبت عن ضرورة الانتقال من ديبلوماسية حائكي السجاد الى ديبلوماسية بائعي السجاد , اتصل بي ديبلوماسي خليجي صديق قائلاً “يا صاحبي , هذا زمن الجنون الأميركي , الجنون الاسرائلي , قرار ضرب ايران وضع على الطاولة منذ عام 2018 , وبقي قيد الانتظار الى أن أخذت المنظومة النووية الايرانية شكلها ما قبل النهائي” . ليضيف “وكما تعلم فأن جيراننا الايرانيين يتحدثون , في العلن , عن تخصيب اليورانيوم , كما لو أنهم يتحدثون عن تخصيب الشعير” !
لا شك أن موقف الجمهورية الايرانية من الوجود الأميركي في المنطقة يثير الاعجاب , اذا ما لاحظنا كيف يستنزف الأميركيون , وعلى ذلك النحو الأخطبوطي , ثروات العرب , وأزمنة العرب , دون أن تجيز لهم الدخول , ولو على رؤوس الأصابع , الى الزمن التكنولوجي , فيما يتعدى تعاونهم مع اسرائيل في هذا المجال حدود الخيال …
في لبنان , وحيث ترعرعنا على الثقافة الغربية . فيكتور هوغو بدل مصطفى لطفي المنفلوطي , وبريجيت باردو بدل فاتن حمامة , وبالتاثير المباشر لحكم القناصل , كان من الصعب , أو حتى من المستحيل , على فئات لبنانية التكيف مع الدور الايراني في لبنان , لا سيما بعد أخذ المنحى الجيوسياسي , في منطقة احترفت الدخول في الصراعات العبثية .
خلافاً لديبلوماسية الظل , صدرت عن مسؤوليين سياسيين , وعسكريين , وحتى دينيين , ايرانيين تصريحات صارخة , وتزيد في حدة التصدع الداخلي , كما في احراج “حزب الله” الذي , منذ ولادته غداة الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 , يواجه أجواء ضاغطة من الداخل ومن الخارج . تصوروا أن يقول مسؤول بـ”أننا موجودون في 4 عواصم عربية” , وأن يقول مسؤول آخر وبالحرف , “اذا اعتدت علينا اسرائيل , ستفتح أمامها أبواب جهنم” . كيف “لأن “لأن حزب الله” يمتلك 100000 صاروخ” .
الحرب الأخيرة لم تغيّر في طريقة الادلاء بالتصريحات , ومراعاة الواقع اللبناني الحالي . وكما لاحظنا , معالي وزيرنا المعني , لا تهزه الغارات الاسرائيلية , ولا الاغتيالات اليومية , ناهيك عن التأكيد على البقاء في التلال الخمس , وتحويل البلدات المدمرة على الشريط الحدودي الى منطقة معزولة , كما لا تعنيه التصريحات التي يدلي بها المبعوثون الأميركيون , ومن مورغان اورتاغوس الى توماس براك , وحيث الانتهاك الصارخ ان لمفهوم السيادة , أو للكرامة الوطنية . يهزه فقط تصريح لوزير الخارجية الايراني عباس عراقجي حول نزع سلاح “حزب الله” .
لا بل ان الاستنفار يعلن في أرجاء الجمهورية , وان كنا ندرك ما خلفيات أولئك الساسة الذين ترعرعوا بين سراويل وعباءات القناصل , دون أي اشارة الى الخطر الذي تشكله اسرائيل على المنطقة بأسرها حين نأخذ بكلام السفير الأميركي في اسرائيل مايكل هاكابي حول تغيير الشرق الأوسط بأبعاد توراتية . هل كان لنا , يوماً , أن نفكر بتداعيات ذلك حتى على تركيبنا الثقافي , أو على تركيبنا التاريخي , دون أن يعني ذلك , في حال من الأحول , عدم اعتراضنا على كل صوت خارجي يتدخل في مسائلنا الداخلية وان كان في اساس الكيان اللبناني أن نكون حلبة للصراع بين لعبة الاستراتيجيات ولعبة الايديولوجيات .
كفانا ضحكاً على الذات . متى لم يكن الساسة اللبنانيون يدارون كما تدار الرسوم المتحركة . الان , وأكثر من اي وقت مضى , الأشباح , ان بقبعة الكاوبوي , أو بكوفية شيخ القبيلة , أو بقلنسوة الحاخام , ترابط في جدران القصور على أنواعها , حتى ليصاغ مستقبل لبنان بخيوط العنكبوت .
نعلم أي ظروف , وأي ضغوط , حملت رئيس الجمهورية على رعاية قرار مجلس الوزراء بشأن نزع سلاح “حزب الله” , على اساس أن ذلك يمكن أن يعطيه فرصة لالتقاط الأنفاس , والتعاطي مع المسألة بمنطق الحوار , لنجد أن “أولاد القناصل” يضرمون النيران , النيران السياسية , والنيران الطائفية , حول القصر دون أن يأبهوا , حتى بالتحذيرات الأوروبية , بعدم تفجير الساحة الداخلية , لأن ذلك ما تراهن عليه ثلة الذئاب في اسرائيل . ليست الطائفة الشيعية وحدها على كومة الحطب , وانما كل الطوائف , وانما كل لبنان . لكن المال (ذاك المال) هو الذي يشعل النيران في الرؤوس لكي يشعلوا النيران في الشوارع , أو في الأزقة .
نعلم تماماً لماذا دفع بالرئيس سعد الحريري الى الظل , وهو زعيم الطائفة السنية الذي لا ينازع , والذي تحتاج اليه البلاد أكثر من أي وقت مضى , لنعلن خشيتنا من اعادة السيناريو اياه الى الطاولة , وفي ظل ظروف اقليمية , ودولية , تعتبر مثالية لاعادة تشكيل المشهد اللبناني سياسيًاً , وحتى ديموغرافياً وجغرافياً ..
تلك الرياح التي تهب علينا من كل حدب وصوب , وان كانت هناك معلومات موثوقة حول مساع ديبلوماسية للحيلولة دون انزلاق لبنان الى الهاوية , والتركيز على المقاربات الهادئة للمسائل المتفجرة , أو القابلة للتفجير …
من أطرف ما تناهى الينا نصيحة الى قطب حزبي احترف اللغة البهلوانية على الشاشات “يا صديقنا العزيز , الحلبة اللبنانية لا تتسع للأسكندر ذي القرنين . بالكاد تتسع لغوارالطوشي …” !!

Tagged:

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *