Home / شعر / طفل دمشق

طفل دمشق


أسامينا


وقفتُ عند حافّة الوقت، في زقاقٍ لا اسم له، حيث تُقشر دمشق جلدها كلّ صباح لتعيد ارتداء نفس الندبة.
كنتُ هناك —
كتجاعيد في وجه المدينة، أو كهامشٍ نُسي بين السطور.

الهواء لم يكن هواءً، بل أنفاسًا قديمة أُعيد تدويرها من حناجر الخائفين.
السماء فوقي كانت مرآة مكسورة، كلّ شظية منها تعكس وجهًا فقد صاحبه.

بدأت أعدّ الوجوه.
واحدٌ… يشبه قناعًا نُسي في مسرح مهجور.
ثانيةٌ… كأنها شبحٌ عالق في صورة هوية.
ثالثٌ… يمشي دون ظل، كأن الأرض ترفض أن تحتفظ بأثره.
كلُّ من مرّ، مرّ بي —
كأنني كنتُ المرآة، وهم الغبار العالق عليها.

كانت خطواتهم لا تلمس الأرض، بل تطفو —
ككائنات فقدت وزنها من فرط الانكسار.
العيون؟
آبارٌ يابسة، لا ماء فيها، بل صدى صراخٍ قديم.

رأيتهم:
يمشون نحو لا مكان،
بلا جهة، بلا توقّف،
كأن المدينة شريطٌ تكراريّ، يعيد مشهد الهزيمة بتقنيات عالية الجودة.

ثم، من بين كل ذلك الرماد،
انفجرت نقطةُ ضوء.
طفل…
كوكب صغير يسبح عكس دوران المجرة.
يبتسم، كما لو أنّ الدم لا يلوث الأرض، وكأنّ الليل ليس له مخالب.
ابتسامته لم تكن ابتسامة —
بل صدعٌ في جدار السكون، شرخٌ في الرواية الرسمية للعذاب.

حدّقتُ فيه…
شعرت أن العالم قابل للانثناء، وأن الخراب يمكن طيّه كورقة.
ابتسامة واحدة استطاعت أن تجرّ المدينة من شعرها إلى الحياة.

ولوهلة،
أيقنت أنني لست واقفًا،
بل عالقٌ في زمنٍ يتكرّر،
وأنّ الطفل وحده، دون أن يدري،
يحمل المفتاح الأخير لهذا الجنون.

شادي أحمد

Tagged:

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *