Home / أخبار حول العالم / طوفان_الأقصى التحولات البنيوية في إسرائيل

طوفان_الأقصى التحولات البنيوية في إسرائيل

أسامينا

دراسة تحليلية استشرافية في الأبعاد النفسية والاقتصادية والسياسية والإدراكية

صادرة عن دار الشعب للنشر
إعداد: مجموعة من الباحثين
بإشراف: د. حسين راغب الحسين

مقدمة

لم تكن عملية طوفان الأقصى مجرد هجوم عسكري مفاجئ على كيانٍ محصّن أمنياً، بل لحظةَ انقلابٍ إدراكي في بنية الوعي الإسرائيلي والعالمي.
أعادت العملية تعريف مفهوم “الأمن” في إسرائيل، ليس باعتباره منظومة دفاعية فحسب، بل بنية ذهنية تَشَكَّل حولها المشروع الصهيوني منذ بدايته.

تشير الفرضية المركزية لهذه الدراسة إلى أن التداعيات النفسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية المترتبة على طوفان الأقصى ستتجاوز بمراحل الأثر المباشر للعملية نفسها، وأن إسرائيل دخلت بعده طوراً جديداً من التفكك الإدراكي البنيوي، قد يغيّر ملامحها خلال العقد القادم.

الفصل الأول: الانهيار النفسي والاجتماعي – من أسطورة الأمن إلى عقد الخوف

بنى المشروع الصهيوني وجوده على فكرة “الردع الكامل” كأداةٍ نفسية أكثر من كونها عسكرية.
لكن طوفان الأقصى هدم أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”، وكشف هشاشة الدولة من الداخل.
النتيجة: تحول المجتمع الإسرائيلي من حالة الاطمئنان الأمني إلى القلق الوجودي.

المؤشرات النفسية التي رُصدت خلال العام الأول بعد العملية تُظهر:

ارتفاعاً قياسياً في معدلات اضطراب ما بعد الصدمة بين المدنيين.

تزايد حالات الهجرة العكسية والبحث عن الجنسية الثانية.

تصاعد خطاب الكراهية الداخلي بين التيارات السياسية والدينية.

تحوّل الإطار الجمعي من “دولةٍ تحمي نفسها” إلى “دولةٍ تبحث عمّن يحميها”، وبدأت الثقة بين المواطن والدولة تتآكل، وهو أول مؤشّر لانحسار قوة الهوية القومية الجامعة.

الفصل الثاني: الاقتصاد الإسرائيلي – من اقتصاد الابتكار إلى اقتصاد الدفاع

كان الاقتصاد الإسرائيلي يعيش قبل العملية مرحلة ازدهار مدفوعة بالاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا المتقدمة، مدعوماً بخطط دمج إقليمي في مجالات الطاقة والغاز والنقل.
غير أن طوفان الأقصى أوقف هذا المسار.

تبدلت بيئة الثقة الاقتصادية:

ارتفع التصنيف المخاطِري للكيان إلى مستوى “High Political Risk”.

تراجع تدفق الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة بنسبة تفوق 30%.

ارتفعت الموازنة الأمنية إلى أكثر من 20% من الناتج القومي الإجمالي.

بهذا، تحوّل الاقتصاد من اقتصاد نمو وابتكار إلى اقتصاد أمني دفاعي، حيث يتم امتصاص الموارد في الإنفاق العسكري بدل الإنتاج المدني.
كما بدأت البنية الإنتاجية تواجه هجرة العقول من قطاع التكنولوجيا إلى الخارج، خصوصاً نحو الولايات المتحدة وكندا وأوروبا.

النتيجة البنيوية: تآكل ديناميكية النمو وتحول إسرائيل إلى اقتصاد استهلاك أمني، يتعايش مع شعور دائم بالتهديد لا يمكن تحويله إلى قيمة إنتاجية.

الفصل الثالث: التحول السياسي – سقوط الاستثنائية الإسرائيلية

منذ نشأتها، نجحت إسرائيل في بناء سردية سياسية غربية تقوم على أنها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”.
لكن مشاهد الإبادة في غزة بدّدت هذه السردية، لتتحول في الإدراك الغربي إلى دولة استعمارية تُمارس القمع باسم الدفاع.

بدأت دوائر القرار في أوروبا والولايات المتحدة تشهد انقساماً حاداً في الخطاب:
بين من يرى في إسرائيل حليفاً استراتيجياً لا يمكن التخلي عنه، وبين من يعتبرها عبئاً أخلاقياً يضر بالمصداقية الغربية.

كما أن الانقسامات الداخلية في إسرائيل نفسها (بين نتنياهو وخصومه، وبين اليمين الديني والعلمانيين) أخذت شكلاً وجودياً يهدد استقرار النظام السياسي.
يبدو أن إسرائيل تتجه نحو مرحلة “الشلل الديمقراطي”، حيث تُجمّد المؤسسات قراراتها خشية الانقسام الشعبي.

الفصل الرابع: انهيار منظومة التطبيع – من الحماس إلى التحفظ

كان مشروع “اتفاقات أبراهام” ذروةَ الاندماج الإسرائيلي في الجغرافيا العربية، بوعودٍ اقتصادية ضخمة.
لكن طوفان الأقصى وضع حداً عملياً لذلك المشروع.

التطبيع الشعبي انتهى فعلياً: لم يعد ممكناً تمرير أي خطاب تطبيعي في المجتمعات العربية دون رفض واسع.

التطبيع الرسمي لم يتوقف تماماً، لكنه تحول إلى تعاونٍ أمني محدود وسري يهدف لحماية الأنظمة من تداعيات الشارع لا للتقارب الحقيقي مع إسرائيل.

توقفت مشاريع كبرى (كالربط البري والخطوط اللوجستية) كانت مموّلة بمبادرات خليجية ودولية.

هذا الجمود يعني أن إسرائيل فقدت أهم ورقة استراتيجية بعد 2019: الدخول الهادئ في نسيج المنطقة دون حرب.
اليوم عادت إلى حالة العزلة الجيوسياسية المقنّعة.

الفصل الخامس: التحول الإدراكي في الغرب – نهاية السيطرة على السردية

ربحت إسرائيل معارك الإعلام طوال نصف قرن، لكنها خسرت المعركة السردية الكبرى بعد طوفان الأقصى.
لم يعد جيل الشباب الغربي يرى فيها دولة “ضحية”، بل قوةً استيطانية تمارس تطهيراً جماعياً.

شهدت الجامعات الغربية منذ 2024 تصاعداً في النشاط الأكاديمي المناهض للصهيونية.
مراكز الفكر التي كانت تؤطر الدعم غير المشروط بدأت تعيد تعريف العلاقة مع الكيان من زاوية “الكلفة الأخلاقية والسياسية”.
هذا التحول ليس عابراً، بل إعادة برمجة إدراكية طويلة الأمد ستنعكس على سياسات التعليم والإعلام خلال العقد القادم.

إسرائيل التي كانت تتحكم في الصورة، أصبحت اليوم موضوعاً للمساءلة الأخلاقية.

الفصل السادس: التصدعات الداخلية – البنية المهددة من داخلها

ثلاثة تصدعات رئيسية تُضعف الكيان أكثر من أي خطر خارجي:

  1. صراع الهوية بين التيارات الدينية والعلمانية حول “من هو اليهودي؟”.
  2. الصراع الطبقي–الإثني بين الأشكناز (الغربيين) والشرقيين والمهاجرين الروس.
  3. الفجوة بين الجيش والنظام السياسي بعد الفشل الاستخباري في الطوفان.

هذه التناقضات البنيوية تخلق بيئة قابلة للتشظي التدريجي، حيث يصبح التهديد الداخلي أخطر من أي صاروخ خارجي.

الفصل السابع: النظام الإقليمي الجديد – ما بعد مركزية إسرائيل

انهارت مركزية إسرائيل في النظام الإقليمي بعد الطوفان.
التحولات الجارية تشير إلى نظام شرق أوسطي متعدد الأقطاب، تتوزع فيه مراكز القوة بين أنقرة وطهران والرياض والقاهرة.
لم تعد تل أبيب قادرة على فرض أجندتها دون وساطة أميركية، ولا واشنطن قادرة على فرض رؤيتها دون كلفة.

بهذا، تحوّل الدور الإسرائيلي من فاعل مقرّر إلى فاعل مقيّد، يتفاعل أكثر مما يصنع.
حتى في المجالات الأمنية والاستخبارية، باتت إسرائيل تعتمد على تحالفات محدودة لا تضمن لها الاستقرار الطويل.

الفصل الثامن: سيناريوهات المستقبل (2025–2035)

  1. الانكماش الدفاعي: استمرار حالة الطوارئ الدائمة، وتآكل النمو الاقتصادي، مع انتقال المجتمع إلى عقلية الحصار الذاتي.
  2. التحول الإدراكي العالمي: زيادة عزلة إسرائيل على المستوى الثقافي والسياسي في الغرب.
  3. الانفجار الداخلي: احتمال تصاعد الصراع الديني–السياسي إلى حد الشلل المؤسساتي أو العنف الداخلي.
  4. الجمود الإقليمي: بقاء إسرائيل داخل “فقاعة أمنية” غير قادرة على المبادرة أو قيادة أي مشروع إقليمي.

كل السيناريوهات تشير إلى نتيجة واحدة:
العملية لم تدمّر إسرائيل عسكرياً، لكنها كسرت بنيتها الإدراكية العميقة.

الخاتمة

أحدثت عملية طوفان الأقصى تحولاً في المفهوم الاستراتيجي للأمن الإسرائيلي والعلاقات الإقليمية.
لم تعد إسرائيل مركز النظام، بل أصبحت عقدته.
ورغم تفوقها العسكري، إلا أنها فقدت أهم سلاح امتلكته: الشرعية النفسية والأخلاقية.

المرحلة المقبلة ليست صراعاً على الأرض، بل على الوعي —
وعي العالم، ووعي الإسرائيلي نفسه.
وحين يفقد مشروعٌ ما قدرته على تبرير ذاته أخلاقياً، يبدأ تفككه من الداخل، مهما بلغت قوته.


Tagged:

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *