كيلو الزعفران بآلاف الدولارات.. ما سرّ استثمار “الذهب الأحمر” في سوريا؟
أسامينا
بسام الرحال
قطعت زراعة الزعفران، أو ما يسمى بـ”الذهب الأحمر”، في سوريا شوطاً مهماً في السنوات الأخيرة كأحد المشاريع التنموية الصغيرة الواعدة، حيث يبلغ سعر الكيلوغرام من هذا النبات نحو 4 إلى 7 آلاف دولار، وينتج من قطاف نحو 150 ألف زهرة واستخراج المياسم الثمينة. وقد بدأت زراعته تنتشر مؤخراً في العديد من المحافظات السورية، حيث يعطي استثماره ثلاثة أضعاف رأس المال سنوياً، في حين أثبتت التحاليل والتجارب أن نوعية أزهار الزعفران في سوريا تعد من أجود الأنواع على مستوى العالم.
جودة عالية ومنافس جيد في الأسواق الخارجية
في هذا الإطار، بيّنت الدكتورة روعة ببيلي، مديرة إدارة بحوث البستنة في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية بوزارة الزراعة، في حديث خاص لموقع تلفزيون سوريا، أن “محصول الزعفران في سوريا يعد محصولاً واعداً، بدأ الاهتمام بزراعته في السنوات الأخيرة نتيجة ارتفاع سعره وقلة حاجته للري، وبدأت تتسع زراعته في مناطق عديدة في محافظات دمشق وحمص والسويداء وإدلب ودرعا وحماة والمناطق الجبلية”.
وأضافت: “لا يوجد حالياً رقم رسمي دقيق لعدد مزارعي الزعفران في سوريا، فمعظم الزراعات تتم بدعم من مشاريع تنموية أو بحثية تجريبية بالتعاون مع الجامعات أو مديريات الزراعة، إلا أن الزعفران السوري يمتاز بجودة عالية، فالمياسم حمراء داكنة اللون ورائحتها قوية وهي غنية بالمواد الفعالة، وإنتاجها بعيد كلياً عن استخدام المبيدات والتدخل الكيميائي، مما يجعله منافساً جيداً في الأسواق الخارجية، إضافة إلى سعره المرتفع في الأسواق المحلية”.
وحول حجم الإنتاج السنوي في سوريا من الأزهار والمياسم، قالت الدكتورة ببيلي: “زراعة الزعفران لا تزال في نطاق محدود وتجريبي في سوريا، ولم تُدرج بعد ضمن المحاصيل الاستراتيجية في الإحصائيات الرسمية لوزارة الزراعة، لكن يمكن أن نقول إن 1 غرام من المياسم ينتج من عدد أزهار يتراوح تقريباً بين 150 إلى 200 زهرة، وإنتاج الدونم الواحد بعد 3 سنوات من الزراعة يعطي ما يقارب 1 كيلوغرام إلى 30 كيلوغرام من المياسم الجافة”.
وتحدثت الدكتورة ببيلي عن الجهود العلمية والتنفيذية المبذولة من قبل وزارة الزراعة والهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية في دعم زراعة وإنتاج الزعفران، مشيرة إلى أن هيئة البحوث العلمية الزراعية أجرت عدداً من التجارب الناجحة شملت دراسة دورة حياة الزعفران وتحديد أفضل موعد لزراعته وقلعه وتأثير الأسمدة وأثر المناطق البيئية المختلفة على جودة الإنتاج، كما تم تشكيل لجنة من وزارة الزراعة وهيئة البحوث العلمية الزراعية، وفقاً للدكتورة، بهدف دراسة إمكانية نشر زراعة الزعفران في المحافظات السورية. وتم وضع مصفوفة زمنية تتألف من 3 مراحل، في كل مرحلة مجموعة من الأهداف تسعى إلى نشر زراعة كورمات الزعفران بالتوازي مع متابعة حثيثة من قبل الباحثين السوريين في الهيئة.
استثمار طويل الأمد ومشروع مثالي للأسر الريفية
وحول القيمة الاقتصادية والغذائية والطبية لهذا المنتج، أوضحت الدكتورة ببيلي أن “الزعفران يعد من أغلى التوابل في العالم ويتميز بقيمة غذائية وطبية واقتصادية عالية لذا يلقب بالذهب الأحمر، وهو مضاد أكسدة طبيعي، ومهدئ ومحسن للحالة النفسية، ويساعد على تحسين الذاكرة وخفض ضغط الدم وتحسين صحة القلب، ويستخدم في كثير من منتجات التجميل لتفتيح البشرة، أما الناحية الغذائية فتستخدم مياسم الزعفران كمنكّه وملون طبيعي للأطعمة”.
وتابعت: “أما من الناحية الاقتصادية، فللزعفران عائد اقتصادي كبير ويمكن أن تكون له قيمة مضافة عالية من خلال تعبئته وتسويقه كمنتج فاخر، ويعد الزعفران السوري عالي الجودة، لذا يمكن أن يكون مشروعاً مثالياً للأسر الريفية الصغيرة، فهو لا يحتاج إلى ري كثير، كما أنه مقاوم للأمراض وينتج الكورمات عاماً بعد عام، مما يجعله استثماراً طويل الأمد”.
وأشارت الدكتورة ببيلي إلى أن “الأسعار الرائجة للزعفران في سوريا والعالم تختلف بحسب الجودة وطريقة التغليف ونسبة النقاوة وكامل الميسم، لكن تقريباً يتراوح السعر بين 4 إلى 5 دولارات في سوريا للغرام الواحد من المياسم، بما يقابله خارج سوريا بين 10 إلى 12 دولاراً”.
وحول صعوبات وعوائق زراعة الزعفران في سوريا، قالت الدكتورة ببيلي: “يوجد كثير من العوائق أمام نشر زراعة الزعفران في سوريا، أولها قلة معرفة وضعف خبرة المزارعين في التعامل مع هذا النبات، إضافة إلى صعوبة الحصول على بصيلات عالية الجودة ومعقمة، وكذلك التكاليف المرتفعة لتأسيس حقل جديد. كما أن هناك ضعفاً في عمليات المكننة، فمعظم عمليات زراعة وقلع الكورمات وقطف الأزهار وفصل المياسم كلها تتم يدوياً، مما يزيد التكاليف والجهود المبذولة. كما أن التسويق غير منتظم للمياسم، حيث لا يوجد تسعيرة رسمية في سوريا، ويتم البيع بشكل فردي وعشوائي،
إضافة إلى صعوبات في عمليات التجفيف والتخزين والتعبئة والتغليف”.
واختتمت مديرة إدارة بحوث البستنة في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية حديثها لموقع تلفزيون سوريا بقولها: “تسعى الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية من خلال الباحثين المختصين إلى نشر زراعة الزعفران من خلال إجراء التجارب البحثية لنقل مخرجاتها العلمية، بالتعاون مع مديريات الزراعة وخاصة الإرشاد الزراعي، إلى المزارعين من خلال تنفيذ أيام حقلية ودورات تدريبية وورش عمل وإعداد كتيبات إرشادية بهذا المضمون، والتعاون مع الجامعات لإدخال الزعفران في التجارب الجامعية، ومع المنظمات الدولية بهدف زيادة الدعم. وهنا ننوه بجهود مدير الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية الدكتور أسامة العبد الله ودوره في فتح آفاق جديدة أمام توسيع نطاق زراعة وإنتاج الزعفران كمحصول سوري واعد”.
توقعات بوصول حجم سوق الزعفران عالمياً إلى 2 مليار دولار بحلول 2026
وفي هذا الصدد، أوضحت الخبيرة الدكتورة ريم رستم أن “زراعة الزعفران هي من الزراعات الاقتصادية الحديثة التي انتشرت في سوريا نظراً لملاءمتها للظروف الطبيعية والبيئية، إضافة إلى المردود الاقتصادي الجيد، حيث يمكن زراعته في الحيزات الصغيرة وبين الأشجار. وتنمو تجارب الزعفران عالمياً يوماً بعد يوم في ظل تنامي الطلب العالمي، مدفوعة بالاستهلاك في الأسواق الناشئة الرئيسية، إضافة إلى الطلب عليه في قطاع الأدوية لخصائصه المضادة للأكسدة والأورام وغيرها، ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الزعفران عالمياً إلى 2 مليار دولار بحلول عام 2026”.
وأضافت الدكتورة رستم: “لإنشاء حقل زعفران بمحافظة ريف دمشق مثلاً، بداية يجب تحضير التربة للزراعة عن طريق عملية الحراثة وتسوية التربة مرتين قبل الزراعة وبعدها، وتتم عملية تخطيط التربة، حيث يفضل زراعة النبات على خطوط بمسافات 60 سم بين الخط والآخر. وتشمل عملية الخدمة التعشيب وقطاف الأزهار وزراعة الكورمات، حيث من الممكن زراعة 5000 كورمة في الدونم الواحد إذا كانت زراعة تكثيفية. ومن الضروري وضع برنامج ري للزعفران للحصول على نباتات قوية وسليمة، وأفضل نظام للري هو الري بالتنقيط، وتختلف مدة الري حسب الظروف البيئية وتوزع الهطولات المطرية”.
وأكملت الدكتورة رستم: “تجوز زراعة الزعفران في المناطق ذات معدل الهطول المطري 600 مليمتر، لكن النبات بحاجة إلى ري تكميلي خاصة قبل الإنبات وبعد الإنبات وحتى مراحل النمو. ويجب الاهتمام أيضاً بعملية التعشيب اليدوي وعدم استخدام المبيدات، وتقطف الأزهار في الصباح الباكر قبل وصول الزهرة إلى مرحلة التفتح الكامل”.
وأضافت: “تستمر عملية الإزهار لمدة 15 يوماً، وتؤخذ الأزهار إلى مكان آخر لفصل المياسم عنها، فهذه العملية تؤثر في جودة الزعفران وسعره فيما بعد. وتوضع المياسم في مكان ظليل مهوى للتجفيف وداخل عبوات عاتمة محكمة الإغلاق، وهناك طرق أخرى للتجفيف عن طريق تعريض الزعفران لمصدر حراري أو تجفيفه بأفران، لكن يفضل تجفيفه عن طريق الهواء حتى لا يؤثر على المكونات الفعالة الموجودة فيه، حيث تفقد المركبات الفعالة فعاليتها في الضوء إذا وضعت بعبوات غير عاتمة. وفي نهاية موسم النمو، من الممكن أن يتم قلع الكورمات إذا كان الهدف من الزراعة هو الإكثار، وبالتالي زيادة العدد، ويمكن تركها في التربة للموسم التالي مع عدم الري خلال الصيف وإعادة الري في فصل الخريف للحصول على عدد أزهار أكبر وبالتالي مياسم أكثر، ويمتاز الزعفران بقلة إصابته بالأمراض”.
وفي السياق ذاته، قال الخبير الزراعي غسان رستم، والذي يعمل في زراعة وإنتاج الزعفران منذ 20 عاماً، في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا: “بدأت العمل بكورمات إسبانية المصدر، قمت بزراعتها وإكثارها في سوريا إلى أن وصلت إلى عدد كبير من الكورمات، وتمت زراعة الزعفران بإشرافي في منطقة الزبداني وسرغايا بريف دمشق وفي سهل الغاب بحماة وفي حمص”
وأضاف الخبير رستم: “يتميز إنتاج الزعفران السوري بالرائحة المميزة واللون الأحمر القاتم، إضافة إلى محتواه من مركبات فعالة تم تحليلها في عدد من المخابر، وتبين أنها تنافس المنتج في البلدان الأخرى المنتجة للزعفران”.
وتابع رستم حديثه قائلاً: “ينتج الحقل المزروع بالزعفران بمساحة دونم مياسم عالية الجودة خاصة في السنة الثانية والثالثة من الزراعة، ويمكن أن يصل الإنتاج إلى 3 كيلوغرامات من المياسم الجافة بسعر يصل إلى نحو 40 مليون ليرة سورية للكيلوغرام الواحد”.
وأكمل: “يظل هذا الرقم أقل من البلدان المجاورة نظراً لصعوبة التصدير في السنوات السابقة وعدم وجود تسهيلات للمعاملات مع الدول العربية والعالمية بسبب العقوبات التي كانت مفروضة على سوريا. وهناك توجه حالياً لبيع مواد فعالة ضمن المياسم لشركات الأدوية بسعر أفضل من سعر المياسم، حيث كنا نبيع المياسم بشكل دكمة، وهذا يقلل كثيراً من سعره
إذا ما تم تعبئته وبيعه بشكل مرتب بعبوات، لكن ثمة صعوبات في التصدير وتسويق المنتج والسعر”.

