لو نرفع رؤوسنا في وجه أميركا
أسامينا
نبيه البرجي
اذاً , أبوابنا , مقابرنا , مشرعة أمام هولاكو القرن . كم يسخر منا العالم حين يسأل : “ماذا يفعل ملايين جنودكم , بآلاف الطائرات , وبآلاف الدبابات ؟” . تريليونات الدولارات التي تصب في الصناديق الأميركية , والأوروبية , وحتى الروسية , أنفقت من أجل حراسة عروشنا المقدسة , كما لو أن بنيامين نتنياهو , أو دونالد ترامب , لا يستطيع ازالة أي عرش عربي بضربة على الرأس . الأكثر غرابة هنا أن الأنظمة العربية لا تكتفي بالجحافل الجرارة , ولا بأجهزة الاستخبارات التي تجثم بأقدامها على صدور الناس , بل تستعين بالقواعد وبالأساطيل الأجنبية .
ما يثير ذهولنا , كأساقفة لليأس , أن مساجدنا , من الخليج الى المحيط , تغص بالمصلين الذي يدعون الى الله بتشتيت أعدائنا , لنلاحظ أننا نحن الذين نتشتت , وأن جثثنا هي التي تتناثر أما في العراء , أو تحت الأنقاض . ليتكم تصغون الى الأئمة في خطب الجمعة , ودائماً بمكبرات الصوت . تهديد لاسرائيل بالويل والثبور . باجماعة اقفلوا المساجد , وأفتحوا الثكنات . هذه أيام لحفر الخنادق لا لحفر القبور , بعدما كنا قد كتبنا أن الديانات تحولت الى ايديولوجيات خارجة للتو من الوثنيات الكبرى .
كثيراً ما نتحدث عن الشعار الذي رفعه بنيامين نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط . نفهم من ذلك تغيير الخرائط , أو تغيير الأنظمة , وربما تغيير الوجوه . لكن الحقيقة , يا أولياء أمرنا في الدين والدنيا , تحويلنا , بأمر من يهوه , من كائنات بشرية الى دمى بشرية . ولكن ألسنا , حقاً , الدمى البشرية , دائماً عبر ذلك الخط الطويل من الجماجم , ما يحمل المؤرخ الاسرائيلي , وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد , آفي شلايم , على التساؤل “هل تعني الدولة الآمنة ألدولة المحاطة بأسوار من الجماجم ؟” . متى رأت التوراة في الرؤوس التي على أكتافنا رؤوساً بشرية ؟
نكون في ذروة الغباء اذا ما ظننا أن اتفاقيات السلام مع “أبناء عمومتنا” , كما كان يردد أنور السادات , بغليون الحشيش , تؤمن للدول المعنية السلام الأبدي . ها أن الاسرائيليين , بترحيل أهل غزة , وتالياً أهل الضفة , يمزقون اتفاقية كمب ديفيد لتفجير مصر من الداخل اذا ما أخذنا بالاعتبار مدى الاحتقان الاقتصادي في أرض الكنانة , كما يمزقون اتفاق وادي عربة لتفجير الأردن اذا ما أخذنا بالاعتبار مدى هشاشة البنية السوسيولوجية في المملكة الهاشمية .
ثم ماذا عن اتفاق أوسلو الذي كان يفترض أن يقود المسار السياسي في اتجاه انهاء الصراع العربي ـ الاسرائيلي . ياسر عرفات الذي فاخر بحكم لبنان , والذي كان يسعى الى الدولة , ولو على ظهر حمار , كما نقلت شخصية فلسطينية بارزة , أطفأ انتفاضة الحجارة التي هزت الرأي العام العالمي , بعدما دفن القضية تحت الثلوج , والورود , الاسكندنافية .
الأتراك بدأوا يتوجسون من أن يكونوا الهدف التالي بعدما أصاب ايران ما أصاب . السعوديون الذين ما زالوا يصرون على الدولة الفلسطينية باتوا داخل العين الاسرائيلية الحمراء , اذا ما سألنا من هي الأقرب الى “الروح الأميركية” , كما كتب المعلق الأميركي , الهندي الأصل , السعودية أم اسرائيل ؟ لا وجود لأي دولة قوية , وسواء بالتكنولوجيا أم بالمال , سوى الدولة العبرية لنتذكر ما قاله جورج سوروس , اليهودي ونجم وول ستريت , لصحيفة “جويش كرونيكل” , منذ نحو عقدين من الزمان , من أن يهوه بعث بالنفط الى هذه المنطقة ليكون “الثروة المقدسة لليهود” لا من أجل ادارة المنطقة , وانما من أجل ادارة العالم .
حقاً , لنتصور أنه لو كانت الثروة النفطية في يد اليهود ؟ ماذا كانوا فعلوا بالبشرية جمعاء ؟ اذا ما سألنا الفيلسوف اليهودي الفرنسي الراحل روجيه غارودي لأجاب “… لكانت نهاية اليهود في أصقاع الدنيا” !
زعيم الليكود , وقد أصبح زعيم الشرق الأوسط , لم يعلن هباء أنه في “مهمة روحية” لاقامة “اسرائيل الكبرى” . هو يعلم أن العرب في الغيبوبة الكبرى , في المقبرة الكبرى . لا مقاومة على الاطلاق , بل الاستعانة بأميركا , كما لو أن اسرائيل ليست الابنة الكبرى , الابنة الوحيدة , لأميركا , وكما لو دونالد ترامب لم يعد بتوسيع مساحتها . البداية بدول منزوعة السلاح , وهذا ما يحدث في سوريا , وأيضاً في لبنان , دون أن نعي ما يمكن أن يلحق بنا اذا ما تعرينا من أسلحتنا , أسلحة المقاومة تحديداً التي باتت للدفاع عن لبنان , وعن أرض لبنان فقط , بعدما سقطت كل المشاريع الجيوسياية اللآأميركية في المنطقة .
لكن حكومتنا تسند رأسها الى توم براك , أو الى مورغان أورتاغوس . ولكن أيها الأقرب الى المصالح الأميركية , قطر , وحيث مقر القيادة المركزية الأميركية , وأكبر قاعدة جوية أميركية خارج الولايات المتحدة . ناهيك عن ثروتها الغازية الهائلة , ولبنان الذي يقف حافياً أمام الصناديق الدولية , وبتصداعاته السياسية , والطائفية , المروعة . بالرغم من ذلك غارة اسرائيلية في قلب قطر , فيما أميركا تراوغ وتتفرج …
الأحد والاثنين قمة عربية ـ اسلامية للبحث في الهجوم الاسرائيلي على قطر . لا حظوا كم هو بائس عنوان القمة , كما لو أن المسألة الأساسية هي في أن العرب , وبوجود الجنون الاسرائيلي , والجنون الأميركي , ليسوا أمام مأزق وجودي . دول مهددة بالزوال , وتغيير دراماتيكي في الخرائط .
ماذا يعني ذلك العنوان سوى هروب القمة من المسألة الأساسية الى مسألة جانبية , مع أن اللقاء ينبغي أن تكون الاختبار الأخير للدول العربية (ولا تعنينا الدول الاسلامية) . اما أن نرفع رؤوسنا في وجه أميركا أو أن نطأطئ رؤوسنا , ونذهب زرافات ووحداناً الى الجحيم . لو رفعنا رؤوسنا لتغير الشرق الأوسط كما نريد نحن لا كما يريد هولاكو القرن , ولكن …