Home / مواهب / ما معنى أن تكون أبن فلاحة وفلاح ومدرس وأكاديمي في أوروبا

ما معنى أن تكون أبن فلاحة وفلاح ومدرس وأكاديمي في أوروبا

أسامينا
د. جوليان بدور

أنا ابن الفلاحة الريفية أم وحيد والفلاح أبو وحيد الذي عاش طفولته وشبابه معهم في رعاة البقر والعمل بالأرض وزراعة وحصاد القمح وشتل وقطاف الدخان…

أنا أبن أم وحيد وأبو وحيد الذي قضى طفولته وشبابه معهم في قرية معزولة لا طريق لها ولا كهرباء ولا تلفاز…غادرتها فى عام ١٩٨١، لكنّها لم تغادرني يوماً لأن قلوبهم كانت مضيئة، ودروبهم مفروشة بالصدق وبيتوهم يغمرها الدفء المغموس في ضوء السراج..

أنا أبن أم وحيد وأبو وحيد اللذان كان يسكنان في قرية نائية لم يكن يخدم في مدرستها الابتدائية سوى معلم واحد لتعليم مئة تلميذ وتلميذة، لكنه كان يكفي ليشعل فينا شغف التعلم وحُب المعرفة..

أنا أبن أم وحيد وأبو وحيد اللذين أنجبا وربىّ تسعة أطفال علموّهم أن الحب ليس كلمة ، بل فعل، وأن الأخوة احترام، والمشاركة كرم وأن الخير لا يُقاس بنا نملك، بل بما نعطي..

أنا أبن أم وأب لم يصادفهم الحظ بالذهاب الى المدرسة لكنهم لقنوني من نبل القيم والأخلاق والصدق والوفاء ما عجزت عنه أعرق وأرقى الجامعات بالعالم…

أنا أبن الفلاحة أم وحيد والفلاح أبو وحيد الذي شاء الحظ أن أتغّرب منذ ٤٤ سنة، لكني أدركت بأن السعادة والهناء لا يشتريّا بالمال والاستهلاك المفرط، ولا بعدد السيارات، ولا بثمن ما نملك، بل بنقاء القلب، والتواضع وبساطة العيش، وصدق المشاعر وأحترام الناس…

أنا أبن أم وحيد وأبو وحيد الأميّين الذين ربّوني على أن أنطق بلغة القلوب والمحبة، والأحترام والتسامح والصدق وقول الحقيقة مهما كإن الثمن. علّموني أن لا أتكلم إلا باللغة التي تلامس مباشرة قلوب الناس وأرواحهم أينما كانوا وأينما حلّو وتشعرهم بالراحة والاحترام والأمان ..

أنا أبن الفلاحة أم وحيد والفلاح أبو وحيد الذي أجتهد وتعب وسهر حتى نال شهادة الدكتوراه بالاقتصاد من جامعات فرنسا ، وتعيّن كمدرس وباحث اكاديمي في جامعة ريونيون الفرنسية القابعة في قلب المحيط الهندي. الفخور بمحبة طلابه وأحترام زملائه بفضل الأخلاق والقيم التى ورثتها من أم وأب لم يعرفا مقاعد الدراسة، لكنهما عرفا كيف يُعلّمان معنى الاحترام والسعادة والحياة…

أنا أبن سورية البلد ، أرض التاريخ والحضارة بلد التسامح والمحبة ، بلد العز والفخر والكرامة بلد لا ينحني مهما عصفت به الرياح…

أنا ابن الفلاحة أم وحيد والفلاح أبو وحيد الذين علموني حُب الطبيعة والبيئة والحياة الريفية والبساطة وحب العمل بالارض والعناية بها وتفضيل منتجاتها والعيش في وسطها وكيف أتنفس عبق روائحها واستمتع بألحان طيورها…

أنا أبن أم وحيد وأبو وحيد الذين أُديّن لهما بكل ما أنا عليه : بحبي للحياة والبيئة والإنسان ، بتفاؤلي، بثقتي بالناس وبفخري بجذوري…

فهل عرّفتم الآن ،أصدقائي وأحبتي، لماذا أكّن كلّ هذه المحبة، وكل هذا والتقدير والأحترام لأم وحيد الفلاحة وأبو وحيد الفلاح، رحمهما الله ورحم من تحبّون جميعاً ، وللبلد الذين ولدوا فيه بلد العراقة والحضارة والتاريخ المجيد.

Tagged:

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *