مدينة النقل واللصق
مدينة النقل واللصق
أسامينا
Hisham khayat
في مدينةٍ رقميةٍ تُدعى “كوبي-بيست”، كانت منصة إعلامٍ شعبية يرتادها الجميع، من الأكاديميين إلى أولئك الذين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة. كانت المدينة عبارة عن ساحةٍ افتراضية صاخبة، حيث الصور والمقاطع المولدة بالذكاء الاصطناعي تطن كالذباب الإلكتروني، والمعلومات تُنقل وتُلصق دون تدقيق. وسط هذه الفوضى، كان صالح، ليس رئيس المدينة، بل المؤثر الأكبر فيها، يتربع على عرش الشهرة الرقمية.
كان صالح يمتلك حسابًا براقًا في كوبي-بيست، مزودًا بأحدث أدوات الذكاء الاصطناعي. كل يوم، يجلس أمام شاشته، ينسخ مقالات من مواقع مجهولة، ويزينها بصورٍ مولدة: وجوهٌ مثالية، مدنٌ خيالية، وتقارير اقتصادية تبدو كأنها من خبراء عالميين. “لماذا أفكر؟” يقول صالح، “الناس يريدون محتوىً لامعًا، والإنترنت كنزٌ مفتوح!” حتى أولئك الذين لا يقرؤون كانوا يتابعونه، مفتونين بالصور الملونة والمقاطع القصيرة التي ينشرها.
جيش صالح من “الذباب الإلكتروني”، وهم متطوعون يعملون من أجل الإعجابات والتعليقات، كانوا ينشرون منسوخاته في كل ركن من كوبي-بيست. كانوا يغرقون المنصة بمنشورات مثل “اقتصادنا يزدهر 1000%!” مع صورةٍ لمدينةٍ لامعة لم توجد قط إلا في خوارزميات الذكاء الاصطناعي. السكان، من كل الأعمار والخلفيات، كانوا يصدقون، أو على الأقل يتوقفون عن التساؤل. “إذا كان في كوبي-بيست، فهو صحيح!” يرددون، حتى الأميون الذين يعتمدون على الصور والصوتيات.
لكن في يومٍ مشؤوم، قرر أحد سكان كوبي-بيست، ويدعى خالد، أن يتحقق من مصدر إحدى قصص صالح. اكتشف أنها منسوخة من مدونةٍ قديمة، والصور المرفقة مجرد خيالٍ رقمي. نشر خالد الحقيقة في كوبي-بيست، فبدأت الأصوات ترتفع: “إذا كان هذا مزيفًا، فماذا عن الباقي؟” لكن صالح، ببراعته، نسخ بيانًا جديدًا من موقعٍ آخر، أرفقه بمقطعٍ مصورٍ لامع، وقال: “هذه مؤامرة ضد تأثيري!” عاد السكان لتصديقه، خاصةً أولئك الذين يستهويهم بريق الصور أكثر من الحقيقة.
ظلت كوبي-بيست مدينةً رقميةً تعيش على النسخ واللصق، حيث الفهم خسارة، والحقيقة غارقة في طنين الذباب الإلكتروني. أما صالح؟ فقد انتقل إلى منصةٍ أخرى، ينسخ منها قصصًا جديدة، بينما سكان كوبي-بيست، من القارئ وغير القارئ، لا يزالون يتابعون صوره اللامعة، مفتونين بوهمٍ لا ينتهي.