نساء سوريا: ركائز البناء في مواجهة أنقاض الحرب (تحقيق صحفي موسّع مدعم بالمصادر) – أسامينا
في خضم الدمار الذي خلفته أكثر من عقد من الحرب في سوريا، تنهض قوة صامتة لكنها لا تقهر:
( المرأة السورية)
لم تكن المرأة مجرد ضحية في هذا الصراع المرير، بل تحولت إلى حجر الزاوية في بناء أسس دولة جديدة، متحدية الصعاب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. هذا التحقيق يرصد أبعاد هذا الدور الاستثنائي، مدعماً بشهادات ودراسات موثوقة.
من رحم المأساة: ولادة قيادات مجتمعية
فرضت الحرب واقعاً قاسياً: ملايين الأرامل، النساء المعيلات لأسرهن، النازحات في الداخل والخارج. في غياب أو تغيب الرجال، وجدت المرأة السورية نفسها على خط المواجهة الأول للبقاء.
شهادات حية: “بعد فقدان زوجي، كان الخيار بين الاستسلام أو القتال من أجل أطفالي. بدأت بمشغل خياطة صغير في مخيم النزوح، واليوم نوفر العمل لـ 15 امرأة أخرى”، تقسم أم محمد (42 عاماً) من إدلب، مقيمة الآن في شمال غرب سوريا. (مقابلة خاصة مع الباحثة الميدانية لمؤسسة “نساء الآن” – أكتوبر 2023).
مصادر داعمة: تشير دراسة لمنظمة “كير الدولية”
(Care International) بعنوان “من البقاء إلى القيادة: نساء سوريا في الصدارة” (2022) إلى أن 85% من النساء النازحات داخلياً في سوريا أصبحن المعيلات الوحيدات لأسرهن، مما دفعهن لريادة مشاريع صغيرة وخلق شبكات دعم غير رسمية بالغة الأهمية.


حاضنات المجتمع: التعليم والصحة تحت القصف
وسط تدمير البنية التحتية للتعليم والصحة، برزت المرأة السورية كأول خط دفاع عن مستقبل المجتمع.
التعليم في الخيام: المعلمة أمل (35 عاماً) من دير الزور، تعمل في مدرسة مؤقتة تحت شجرة زيتون في ريف إدلب: “رأيت الأطفال يتسولون أو يعملون، فقررت جمعهم. بدأنا بألواح بلاستيكية وطباشير، والآن لدينا خيمة وكتيبات بمساعدة منظمات محلية. التعليم هو السلاح الوحيد ضد الظلام”. (تقرير منظمة “أنقذوا الأطفال” – Save the Children: “التعليم على خط النار: سوريا” – 2023).
الرعاية الصحية: تقوم الآلاف من الطبيبات والممرضات والقابلات بإدارة العيادات الميدانية ومراكز الدعم النفسي الاجتماعي، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها. تقرير “المنظمة الدولية للهجرة” (IOM) لعام 2024 يسلط الضوء على دور “العاملات الصحيات المجتمعيات” في تقديم الرعاية الأساسية والتوعية الصحية، مستهدفات مئات الآلاف في المناطق النائية والمخيمات.
الاقتصاد: محركات صغيرة لإعادة الإعمار
في اقتصاد منكوب، تشكل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تقودها النساء شريان حياة.
ريادة الأعمال: من مشاريع تربية الدواجن المنزلية في الريف، إلى مشاغل الحرف اليدوية (كالصابون الحلبي والتطريز)، وصولاً إلى مشاريع التكنولوجيا والتسويق الرقمي التي تقودها شابات متعلمات في دمشق وحلب. صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في تقريره “المركزية المفقودة: تمكين المرأة السورية اقتصادياً” (2023) يوثق كيف أن برامج التمكين الاقتصادي الموجهة للنساء (مثل التدريب المهني والمنح الصغيرة) ساهمت في خفض مستويات الفقر المدقع في أسر المستفيدات بنسبة تصل إلى 40% في بعض المناطق المستهدفة.
تواجه هذه المشاريع عقبات جمة: نقص التمويل، صعوبة الوصول للأسواق، البيروقراطية، وقيود التنقل خاصة للنساء. (دراسة مركز “النساء الآن للتنمية” – Women Now for Development: “عوائق أمام ريادة الأعمال النسائية في سوريا” – 2023).


السياسة والمجال العام: كسر السقف الزجاجي وسط الأنقاض
رغم البيئة الذكورية التقليدية والمعوقات الأمنية، بدأت النساء في شق طريقهن نحو صنع القرار.
المجالس المحلية: لعبت النساء دوراً محورياً في إدارة شؤون المجتمعات المحلية عبر المجالس المحلية التي تشكلت في مناطق مختلفة، خاصة في الشمال والشمال الغربي، متوليات ملفات التعليم والصحة والإغاثة. (ورقة بحثية لـ “معهد الدراسات السورية” في جامعة سانت أندروز: “الحكم المحلي والمشاركة النسائية في سوريا ما بعد 2011” – 2022).
المفاوضات والسلام: رغم محدودية التمثيل، شاركت نساء سوريات في مسارات التفاوض والمؤتمرات الدولية المعنية بالسلام (مثل لجنة الدستور). تؤكد “شبكة النساء السوريات” (Syrian Women’s Network) في بيانها لعام 2024 على أن “أي حل سياسي مستدام في سوريا لن ينجح دون مشاركة فاعلة وذات معنى للنساء، ضمانات لحقوقهن وتمثيلهن العادل في جميع مراحل العملية السياسية”.
التحديات التي تواجه البناء: جبال تعترض الطريق
رغم البطولات اليومية، يواجه دور المرأة عقبات هائلة:
قوانين الأحوال الشخصية والأسرة المجحفة بحق المرأة، وقوانين الجنسية التي تمنعها من منح جنسيتها لأطفالها، تشكل عائقاً بنيوياً. (تقرير “هيومن رايتس ووتش” – Human Rights Watch: “سوريا: قوانين تمييزية تكبل النساء” – 2023).
الأمن والاستقرار: استمرار العنف وانعدام الأمن يحد من حركة النساء ويفاقم خطر العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي.
الصحة النفسية: تداعيات الحرب والصدمات النفسية الهائلة تحتاج إلى استثمارات ضخمة في الدعم النفسي الاجتماعي.
التمثيل السياسي: لا يزال تمثيل المرأة في مراكز صنع القرار الوطني الرسمي محدوداً للغاية وغير متناسب مع دورها الفعلي.

نحو دولة تستند إلى المساواة
المرأة السورية لم تنتظر هدنة أو اتفاقية سلام لتبدأ في البناء. لقد كانت، ولا تزال، مهندسة الصمود وحارسة الأمل. إنها تبني الدولة الجديدة من القاعدة إلى القمة: من خلال تعليم طفل في خيمة، أو إدارة عيادة طبية، أو تشغيل مشروع يطعم عائلات، أو المشاركة في حل نزاع مجتمعي.
بناء الدولة الجديدة في سوريا لن يكتمل أبداً دون الاعتراف الكامل بهذا الدور، ودون إزالة الحواجز القانونية والاجتماعية التي تكبله، ودون ضمان مشاركة المرأة الكاملة والمتساوية في جميع المجالات. مستقبل سوريا يعتمد بشكل جوهري على قدرتها على توظيف طاقات وإبداعات نصف مجتمعها الذي أثبت، بجدارة لا نظير لها، أنه الأقدر على مواجهة العاصفة وزرع بذور الغد.

المصادر الموثوقة المستخدمة في التحقيق:
Care International. (2022). From Survival to Leadership: Syrian Women at the Forefront.
Save the Children. (2023). Education Under Fire: Syria.
International Organization for Migration (IOM). (2024). Syria Response: The Vital Role of Female Community Health Workers.
United Nations Population Fund (UNFPA). (2023). The Missing Center: Empowering Syrian Women Economically.
Women Now for Development. (2023). Barriers to Women’s Entrepreneurship in Syria.
Centre for Syrian Studies, University of St Andrews. (2022). Local Governance and Women’s Participation in Post-2011 Syria.
Syrian Women’s Network. (2024). Official Statement on Political Participation.
Human Rights Watch (HRW). (2023). Syria: Discriminatory Laws Shackle Women.