Home / أخبار حول العالم / هناك شيء كبير قادم

هناك شيء كبير قادم

أسامينا

أحمد طاهر

هناك شيء كبير قادم،
العالم سيفهم ولن يستطيع أحد منع ذلك.
هذه كانت تغريدة ‎ترامب الأخيرة، وهو الذي شغلت شائعات وفاته العالم في الساعات الماضية.
لكن شيئاً كبيراً يحدث بالفعل في مكانٍ آخر من العالم.
فما الذي يحدث؟ وأي معانٍ له؟

التغريدة تلك تتناسب مع أسلوب ترامب الدعائي، وإن كان أحد لا يستطيع الجزم بما يقصده، وما إذا كان سيكشف عن شيءٍ خطر، فإن الجملة تبقى غير عابرة، وحين يتحدث الرئيس الأميركي بهذه اللغة، فهو يوجّه رسائل مركبة: داخلية للخصوم السياسيين، وخارجية للخصوم الاستراتيجيين. التوقيت بالغ الحساسية، لأنه تزامن مع حدث عالمي كبير في تيانجين في ‎الصين.
فما القصة؟

في تيانجين، يلتقي قادة منظمة شنغهاي للتعاون، وفي مقدمتهم ‎بوتين وشي جين بينغ ومودي وأردوغان وباشينيان ولوكاشينكو وعلييف… القمة في لحظتها هذه أكثر من حدث دوري، فهي تأتي بعد حرب ترامب بالعقوبات والرسوم الجمركية على الجميع؛ إنه مشهد دولي تتقاطع فيه مصالح أوراسية عميقة، في مقابل لحظة غربية مأزومة ومفتوحة على الانقسام.
ما هي الدلالات؟

حضور بوتين يحمل دلالة مزدوجة: هو تأكيد أن عزلة موسكو مجرد وهم غربي، ورسالة بأن روسيا تجد في الفضاء الأوراسي امتدادها الطبيعي، وبحث عن تعميق الشراكات وتمتين أسس التعددية. هو حاضر بكامل وزنه وبين شركائه، بعيداً من محاولة ملاحقته وعزله عن العالم. أما شي جين بينغ، فيُترجم حضورَه تثبيتاً لقيادة الصين لـ”القلب الاقتصادي والسياسي الجديد”، مقابل مركزية الغرب المتراجعة، لكن غير المعترف دولياً بتنحيها بعد، نظراً لتشعب وعمق تمدداتها طوال عقودٍ طويلة خلت.
لكن الهند هي الجواب الأهم اليوم.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، يصل محمّلاً بملف بالغ التعقيد: الهند بين شراكة استراتيجية مع واشنطن (تكنولوجياً، عسكرياً…)، وبين مصالحها الحيوية مع موسكو (الطاقة، التسليح أيضاً). وجوده في تيانجين بينما واشنطن تفرض تعريفات جمركية على نيودلهي، يكشف هشاشة قدرة أميركا على “احتواء” الهند. وملامح أزمة التوتر المتزايد بين الشريكين، مع تصاعد وتيرة الحديث عن رفض مودي الحديث مع ترامب، وانزعاجه الشديد من المقاربة الأميركية للعلاقة معه.
في هذا السياق، اتخذ مودي خطوة جديدة نحو روسيا، نشرت خبرها وكالة رويترز، وهي تترجم باستعداد الهند لزيادة مشترياتها من النفط الروسي بما يصل 20% إضافية خلال أيلول.
ماذا عن أردوغان؟

يمثل الرئيس التركي دائماً حالة خاصة: فبلاده عضو في الناتو، لكنه يتكلم لغة مغايرة في ملفات كبرى (أوكرانيا، الطاقة، غزة). وهذه البلاد تضع اليوم على الطاولة خريطتها، وتنظر إلى التمدد الإسرائيلي، ورأت بأم العين الحرب على إيران، والنهج الإسرائيلي في سوريا، ومحاولة تقويض أي اندفاعة تركية نحو الجنوب، لملء فراغ ناشيء، ولو كان ذلك بمجرد الحضور السياسي.
يراهن أردوغان الآن مجدداً على لعب دور “الموازن” بين الغرب والشرق، بما يمنحه وزناً في معادلة التعددية القطبية الأوسع التي تتشكل الآن من الأزمات المشتعلة عبر العالم.
وهناك في مكان قريب، أرمينيا، التي يحضر رئيس وزرائها باشينيان في القمة، وينال اهتماماً إضافياً هذه المرة.
لماذا؟

تحرك باسينيان استراتيجياً خطوة نحو أميركا، مبتعداً خطوةً عن روسيا، من دون أن يقطع مع الطرفين، ومراهناً على حاجة الجميع لكل حليف ومورد في الصراع الكبير.
وهو رغم تراجعه باتجاه الغرب، يدرك أن مستقبل أرمينيا لا يُبنى في عزلة عن الفضاء الأوراسي. هناك أيضاً يحضر خصمه إلهام علييف، والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
وهما يضيفان طبقة أخرى من الرمزية: الثاني يُجسّد التحالف الصلب مع موسكو والمزيد من تثبيت حضورها، أما الأول فيترجم انتقال أذربيجان إلى لاعب طاقة استراتيجي عابر للمحاور، لكنه أيضاً يرتبط بالمشروع الأميركي لإدخال دول جديدة من القوقاز في اتفاقيات أبراهام، رغم علاقاتها المستمرة مع إسرائيل قبل ذلك.
ماذا يعني المشهد أيضاً؟

يتزامن هذا المشهد مع قرار الهند الاستمرار والزيادة في شراء ونقل موارد الطاقة الروسية، رغم كل الضغوط الأميركية. إنها رسالة واضحة: لا يمكن تجويع موسكو ولا عزلها، وأن الهند ترى في هذه الموارد “جسر سيادة” يؤمّن لها استقلالاً استراتيجياً عن واشنطن، ومن دون طلب عداوةٍ مع الأخيرة.
لكن الرسالة تقول إن الهند لن تقبل أن تُعامل كما يعامل ترامب الحلفاء الغربيين، خصوصاً أنها أكدت سابقاً عبر مودي شخصياً، أنها لن تسمح باستخدامها كخط مواجهة غربية مع الصين.
وهذا وعيٍ استراتيجي بالمستقبل يراهن عليه بالنسبة لهم.
ما هي فرص بريكس وشنغهاي إذاً؟

معلومٌ للجميع إن مشكلات بريكس كثيرة، ومنها غياب التناغم السياسي الكامل، حيث لا تشكل المنظمة تحالفاً سياسياً يشبه التحالف الغربي.
كما أن منافسةً خفية تنشط بين قواها الأساسية، التي من الطبيعي أن تتطلع إلى فرص القيادة في المستقبل.
لكن مع ذلك، يطل مشروع بريكس اليوم كمساحة تكاملية تشاركية بين شركاء طامحين ويتعرضون للضغوط نفسها، وهم يرون التوتر الترامبي علامةً بارزة على الضعف لا على القوة.
لكن في الوقت نفسه، يعلم هؤلاء أن قوة أميركا تبقى مخيفةً جداً، ويريد كل منهم تجنب الصدام، مع الإبقاء على السيادة التي تمكنهم من التعاون وتبعدهم من التبعية.
كيف ذلك؟

الهند والصين وروسيا، رغم تناقضاتها، تجد في إطار بريكس منصة تسمح بتوسيع المبادلات بالعملات المحلية، وكسر احتكار الدولار، وبناء معادلة جديدة للاقتصاد العالمي. هذا البعد المالي هو سلاح موازٍ للسلاح السياسي.
بينما الحلفاء الغربيون أنفسهم يشهدون انقسامات حادة: خلافات أميركية–أوروبية حول الرسوم الجمركية، ارتباك أوروبي في إدارة الحرب الأوكرانية، وشروخ داخل الناتو بين “المواجهة” و”إدارة الأزمة”. هذا الانقسام يُسرّع صعود التعددية القطبية كخيار عالمي واقعي.
ما النتيجة؟

تزامن تغريدة ترامب عن “الشيء الكبير” ومشهد تيانجين يعكس لحظة مفصلية: تطور إضافي نحو ولادة ميزان قوى جديد، حيث منظمة شنغهاي والبريكس تتحركان بثقة نحو تثبيت التعددية القطبية، فيما الغرب يعيش انقساماته، لكنه لم يستخدم أوراقه كلها بعد.
وهذا يفتح على القول إن الصراع لم يبلغ ذورته، وتنتظره أحداث كبرى. يريد كثر أن يقولوا إن العالم يتغيّر… ولا أحد يستطيع منع هذا التغيير.


بساط أحمدي

Tagged:

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *