واقع ردود الفعل الإيرانية: موقف متأزم وبلا خيارات مريحة
أسامينا
واقع ردود الفعل الإيرانية: موقف متأزم وبلا خيارات مريحة
إيران اليوم تجد نفسها في موقف معقد للغاية. إعادة تفعيل العقوبات الأممية عن طريق آلية السناب باك جعلت الضغوط تتزايد من كل جانب: اقتصاديا، دبلوماسيا، داخليا، وأمنيا. ومن دون أن تملك القدرة على التحرك بحرية تامة، فهي مضطرة إلى موازنة الردود بين رفض استسلامي وتصعيد قد يُكلّفها كثيرا.
تصريحات الردّ والاستعداد للصدام
منذ الإعلان الرسمي لتفعيل العقوبات، أصدرت السلطات الإيرانية بيانات قوية تُدين ما حصل باعتباره “غير قانوني” و”استغلالاً سياسيا”. وقد جاء في التصريحات أن إيران ستردّ “ردًا مناسبا ومتناسبا” إذا تابعت الأطراف الأخرى المسار العدائي دون اعتبار للظروف الواقعية. كما هددت طهران بقطع التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا استمرت الخطوات التي تراها عدائية.
في الداخل، البرلمان عقد اجتماعات مغلقة، وتزايد الحديث عن خيارات مثل الانسحاب من معاهدة النشر النووي أو تعليق بعض الالتزامات النووية. كما أن الخطاب الإعلامي الحكومي يحاول أن يطمئن الناس بأن الوضع الاقتصادي لن ينهار بصورة فورية، رغم أنه يعترف بأن العقوبات ستلقي بظلالها على معيشة المواطنين.
قراءة:
بناءً على المواقف السابقة والسياق، أرى أن إيران ستختار مزيجا من الخطوات الرقابية والتكتيكات المتدرجة، وليس قراءة انقلابية تصعيدية فورية.
مزيج من المقاومة الظاهرة والمناورة المدروسة
أعتقد أن إيران لن تذهب إلى مواجهة عسكرية صريحة أو خرق شامل للاتفاق النووي من اليوم الأول، لأن تكلفة ذلك ستكون باهظة جداً. لكنها ايضا ليست في وضع يسمح لها بالصمت أو القبول الكامل. لذلك أرجّح أن ترى تحرّكات مثل:
تقييد التعاون مع الوكالة الدولية ببطء — تمنع الوصول إلى بعض المنشآت، تفرض شروطا إضافية، تؤخّر الاجراءات، لكن دون أن تقطع التعاون تماما من الآن.
خطوات فنية في برنامجها النووي: قد ترفع نسبة التخصيب تدريجيا، أو تفعّل أجهزة طرد مركزي كانت في حالة سبات، أو توسّع استخدام مرافق موجودة.
توسيع التحالفات الاقتصادية مع دول غير غربية، مثل الصين أو دول آسيا وأفريقيا، لامتصاص الصدمة الاقتصادية.
إدارة الخطاب العام داخليا بحذر: تشجيع الصمود الوطني، وعد بعض الإجراءات للتخفيف من وطأة العقوبات (ربما دعم محدود لبعض القطاعات الحيوية)، مع محاولات لاحتواء سخط الناس.
السيناريو التصاعدي الأقل احتمالا حاليا لكنه ممكن
إذا استمرت العقوبات بلا تراجع وازدادت الضغوط، إيران قد تُقدم على خيارات أكثر جرأة:
إعلان جزئي أو كامل تعليق بعض التزاماتها النووية أو البروتوكولات الإضافية
الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي (NPT) أو إعلان أنها لم تعد ملزمة بالجزء الرقابي من الاتفاق
ردود إقليمية عبر حلفائها في البلدان المجاورة أو تحرّكات في مياه الخليج أو مضايقات للملاحة البحرية
استعراض عسكري رمزي أو أعمال استهداف متبادلة محدودة تستهدف مصالح لدول تطبّق العقوبات
لكن هذه الخيارات تحمل خطرا كبيرا من رد دولي عسكري أو اقتصادي إضافي، ولذلك أرى أنها ستكون الخيار الأخير إذا تفاقمت الأزمة بشكل حاد.
تقييم نقاط القوة والضعف في الموقف الإيراني الحالي
نقاط الضعف
الاقتصاد الإيراني هش بالفعل: التضخم، انخفاض قيمة العملة، تأثير العقوبات الأميركية السابقة كلها عوامل تُقلّل قدرة البلاد على امتصاص صدمات جديدة.
إمكانية التشرذم الداخلي: إذا ازدادت الضغوط على الناس، قد تنشأ انتقادات للحكومة أو تساؤلات حول فاعلية السياسات.
خطر المواجهة المباشرة: التصعيد النووي أو رفض التعاون الكامل قد يدفع بقوى دولية أو إقليمية للرد العسكري، وهو ما قد يكون كارثيًا.
نقاط القوة أو الإمكانات
الخبرة السابقة في التعامل مع العقوبات: إيران طوّرت أدوات تحايُل وشبكات تجارية غير رسمية، مما يعطيها بعض القدرة على الصمود
القدرة على استدراج دول تتردّد في تطبيق العقوبات بالكامل، أو جلب تأييد بعض الدول الكبرى مثل روسيا أو الصين
عنصر الرمزية الوطنية: ردود فعل تُظهر أن الدولة تدافع عن السيادة قد تلقى قبولًا شعبيًا إذا رافقها بعض الإجراءات المحدودة التي تخفف الأذى المباشر
ختاما :
اليوم، إيران في موقف صعب: لا يمكنها أن تكرر الصمت القديم أمام العقوبات، ولا يمكنها أن تصعد حروبا مفتوحة دون تكلفة باهظة. ولذلك، من وجهة نظري، الرد الأكثر رجحانا هو ردّ تدريجي متوازن، يجمع بين التعطيل الجزئي للتعاون، خطوات تقنية في النشاط النووي، والمناورة الدبلوماسية والاقتصادية، مع محاولة إبقاء الباب مفتوحا للحوار إذا توفرت فرصة، وكل ذلك مع إدارة داخلية دقيقة للحفاظ على الاستقرار.