القروض العقارية للمغتربين: خطوة اقتصادية أم محاولة مؤقتة لالتقاط الأنفاس؟
أسامينا
في الأيام الماضية، أُعلن عن طرح قروض عقارية مخصصة للمغتربين السوريين، في خطوة تُسوّق على أنها مبادرة لدعم السوق العقارية وجذب رؤوس الأموال من الخارج وتعزيز استقرار الليرة السورية. وللوهلة الأولى قد يبدو هذا الطرح خطوة إيجابية تعكس بوادر تعافي اقتصادي لكن القراءة المتأنية تكشف صورة أكثر تعقيداً.
يأتي هذا الطرح في ظل تحسن نسبي في المناخ السياسي وانفتاح إقليمي متزايد تجاه دمشق، ما يفسّر السعي لاقتناص أي فرصة لتحريك عجلة الاقتصاد عبر قنوات تمويل غير تقليدية. لكن على الرغم من الخطاب الإيجابي المرافق لهذه المبادرة، لا يمكن اعتبارها مؤشراً حقيقياً لتعافي مالي أو مصرفي، طالما أن الإطار البنيوي للاقتصاد السوري لم يشهد بعد إصلاحات جذرية تُعيد بناء الثقة مع الجمهور.
فعلى مستوى القطاع المصرفي، لا تزال البيئة التشغيلية تفتقر إلى البنية الرقمية المتطورة التي تمكن البنوك من إدارة محافظ قروض متوسطة وطويلة الأجل بكفاءة وشفافية. كما أن أدوات تقييم الجدارة الائتمانية الحديثة غائبة، والمعايير الدولية في الإفصاح والحوكمة لم تُعتمد بعد بشكل فعال، ويُضاف إلى ذلك استمرار الفجوة بين السعر الرسمي والموازي لصرف الليرة ما يجعل حساب العائد الحقيقي لأي استثمار أمراً معقداً وغير مضمون.
من جهة أخرى، فإن عدداً كبيراً من المغتربين السوريين ينتمون إلى بيئات مصرفية تعتمد على التمويل الإسلامي. ورغم أهمية هذه الشريحة، لا تزال المنتجات المتوافقة مع الشريعة شبه غائبة عن السوق المصرفية السورية، في ظل ضعف الكوادر المتخصصة وغياب الأطر الرقابية الشرعية، وهو ما يُفقد المصارف فرصة جذب شريحة واسعة من الراغبين في الاستثمار وفق مبادئ الشريعة الإسلامية.
في حال استجابة عدد كبير من المغتربين لهذا الطرح فقد تشهد السوق العقارية نشاطاً ملحوظاً، يتجلى في زيادة الطلب على الوحدات السكنية والعقارات الاستثمارية وتحريك قطاعات داعمة مثل المقاولات والإنشاءات. إلا أن هذا السيناريو الإيجابي يبقى مشروطاً بوجود بيئة تنظيمية وتشريعية قادرة على استيعاب هذه التدفقات وتوجيهها نحو قنوات إنتاجية حقيقية.
في المقابل، فإن غياب الضوابط والرقابة قد يؤدي إلى نتائج عكسية أبرزها حدوث تضخّم في الأسعار أو نشوء فقاعة عقارية غير مستدامة.
كما أن المخاطر تتزايد في حال استُغلت هذه القروض لأغراض غير اقتصادية أو وُظفت في أنشطة غير مشروعة مثل غسل الأموال أو المضاربات قصيرة الأجل.
وبالرغم من أهمية هذه المبادرة من حيث التوقيت والدلالة فإنها لن تتحول إلى أداة تنموية حقيقية ما لم تترافق بإصلاحات عميقة تشمل: توحيد سعر الصرف وتطوير البنية الرقمية للمصارف وإتاحة خيارات تمويل إسلامي فعّالة ووبناء منظومة قانونية شفافة وعادلة تحمي المستثمر والمغترب على حد سواء.
فمن دون هذه الشروط يبقى هذا الطرح مجرد محاولة مؤقتة لالتقاط الأنفاس في بيئة اقتصادية لا تزال تفتقر إلى مقومات الاستقرار والنمو المستدام.
الخبير الاقتصادي فادي ديب