مفاتيح لبنان وسوريا في يد نتنياهو
نبيه البرجي
أسامينا
تأخرنا كثيراً في ادراك هذه الحقيقة القاطعة . لا مشروع في الشرق الأوسط سوى المشروع الأميركي . ولطالما قلنا أن المشروع التركي أو المشروع الايراني , بالخلفية الأمبراطورية , وبالدفع الايديولوجي العاصف , ليسا أكثر من ظواهر عبثية , وتصب في المشروع اياه . حتى أن الاتحاد السوفياتي الذي حاول أن يكون له موطئ قدم في المنطقة , وفي ذروة قوته , لم يكن سوى “شاهد ما شافش حاجة” , ما لمسناه ابان حرب حزيران 1967 , واحتلال اسرائيل لأراضي 3 دول عربية .
وها أننا الآن , وبعد تلك السنوات الطويلة من الكوارث , ومن النكبات , نبدو أمام الخيارات الصعبة اما الاستسلام , ونحن عراة من ثيابنا المرقطة , أو القضاء تحت الأنقاض . مثلما قضى اللبنانيون تحت الأنقاض , الفلسطينيون يقضون تحت الأنقاض . لا طريق الى الأفق . كل الطرقات الى الجحيم ..
خلال لقاء في دمشق مع باتريك سيل , مؤلف كتاب “الأسد … الصراع على الشرق الأوسط” , سألته الصراع بين من ومن ؟ أجاب ضاحكاً “بين أميركا والشيطان” . وحين سألته ايضاً “ما الشيء الذي لاحظته في رأس الرئيس حافظ الأسد , ولم تذكره في كتابك ؟” . قال “أكثر من مرة أوحى لي أن العلاقات مع الولايات المتحدة أشبه ما تكون برقصة التانغو مع الشيطان . ولكن حين تكون في هذه المنطقة , من الطبيعي , بل من الضروي , مراقصة الشيطان” , دون أن نذهب الى ما قاله لنا البريطاني الآخر ديفيد هيرست “لكأن الشيطان حلّ , ولسبب ما , محل الله في ادارة الشرق الأوسط” .
كل ما حدث في الحقبة الأخيرة , وما يحدث , يشي بأن أميركا واسرائيل تجاوزا الشيطان في العبث الدموي بواقع , وبمستقبل , المنطقة . هنا أميركا هي اسرائيل , واسرائيل هي أميركا . في هذه الحال , على ماذا يراهن الأمير محمد بن سلمان حين يطلق مع الرئيس ايمانويل ماكرون المؤتمر الدولي , في نيويورك , حول الدولة الفلسطينية , بعدما قال دونالد ترامب “لا دولة فلسطيينية ولا فلسطينيون” .
نعلم مدى الخدمات الاستراتيجية التي قدمتها السعودية لأميركا , ومنذ لقاء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرنكلين روزفلت , عام 1945 , وما طبيعة الدور الجيوسياسي لولي العد السعودي في سائر أرجاء المنطقة , لتظهر المملكة الآن أمام اختبار تاريخي حين تواجه الرفض الأميركي القاطع لقيام الدولة الفلسطينية .
لكن فرنسا تعتزم الاعتراف بتلك الدولة هذا الشهر , كذلك بريطانيا , الأقرب الى الولايات المتحدة ,, لتواجه الدولتان , بالغطرسة الاسرائيلية إياها . رئيس الكنيست أمير أوحانا قال “أقيماها في لندن وباريس , وفي بلادكم” , فهل يكون مآل الطرح السعودي , مثل مآل المبادرة الديبلوماسية العربية التي أقرتها قمة بيروت , عام 2002 , الموت البطيء في خزائن جامعة الدول العربية ؟
لا أحد يستطيع التكهن بما يريده دونالد ترامب في الشرق الأوسط , وهو الذي يتبنى كل السياسات المجنونة للائتلاف الحاكم في إسرائيل . تسليم مفاتيح المنطقة , وبصورة خاصة مفاتيح لبنان وسوريا الى بنيامين نتنياهو , والا لماذا احتلال الجنوب السوري , وقصف دمشق ؟ ولماذا ذلك الضغط الهائل لنزع سلاح “حزب الله” الذي يبدو مؤكداً أنه استنتج الكثير من الآثار الكارثية للاختلال المروع في موازين القوى , وحيث الكرة الأرضية كلها تدور على قرن وحيد القرن في البيت الأبيض .
لا شيء للبنان , وكل شيء لاسرائيل . حتى الآن لم يدع وزير التراث عميحاي الياهو الى القاء القنبلة النووية على الضاحية , ولا الى محو لبنان , كما دعا حول غزة . ويبدو أنه ترك لوزير المالية بسلئيل سموتريتش , وهو الركيزة الأساسية للائتلاف , القول “لا انسحاب من التلال الخمس في جنوب لبنان” , ليشدد على ما سيق وكتبناه من أن الإسرائيليين دمروا البلدات الحدودية لتكريسها منطقة عازلة , على شاكلة المنطقة العازلة في الجنوب السوري . قال “إن القرى التي دمرها الجيش الإسرائيلي لن تشملها عملية الإعمار” . من يستطيع الاعتراض ؟
انه القضاء والقدر . من يصدق أن مشكلة ترامب في صواريخ “حزب الله” , وفي اليورانيوم الإيراني , في حين أن الصواريخ النووية التي في يد كيم جونغ ـ أون تكاد تتجول في شوارع لوس أنجلوس أو في شوارع سان فرنسيسكو ؟
ما نستشفه من بعض الأبحاث التي تصدر عن “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” , الذي يرتبط باللوبي اليهودي , أن ترامب يرى في الشرق الأوسط الفناء الخلفي للصراع حول قيادة العالم , ودون أن يثق باي دولة عربية في المنطقة , وحتى بتركيا العضو في الأطلسي , والتي لم تلعب يوماً خارج الحرملك الأميركي . باختصار وصف السناتور البارز لندسي غراهام الدولة العبرية بـ”تاج الشرق الأوسط” , مبرراً لها حتى اللجوء الى الخيار النووي لحماية وجودها , داعياً , كما ترامب , الى توسيع حدودها , لتبقى “الظهير الإلهي” للإمبراطورية الأميركية .
هكذا يقال لنا الآن “غزة من أمامكم وجهنم من ورائكم” , اذا لم تنزعوا سلاح “حزب الله” . الرئيس جوزف عون رفع الصوت أمس في عيد الجيش الى حدوده القصوى بالتأكيد على حصرية السلاح . ماذا بعد ؟ عودوا الى تصريح سموتريتش وانتظروا ما هو أكثر بكثير …