لا شيء اقوى من قلب يبحث عن أمه
أسامينا
ناصر حكاية
في عام 1989، كان طفل صغير يُدعى “لي جينغوي” يلعب ببراءة في قريته الريفية بمقاطعة “يونّان” جنوب الصين، دون أن يعلم أن لحظة واحدة ستقلب مجرى حياته للأبد. ففي غفلة من أسرته، تم اختطافه وبيعه لعائلة أخرى في مقاطعة “خنان”، ليعيش بعيدًا عن أهله، وعن حضن أمه التي لم تنم ليلة واحدة دون أن تبكي على فراقه.
مرت السنوات ثقيلة، ونشأ “لي” في كنف عائلة لا تشبهه في شيء، لا في الملامح ولا في الذكريات. ورغم محاولاته للتأقلم، ظل يحمل في قلبه صورًا مبعثرة من طفولته: تلة صغيرة بجانب البيت، جسر خشبي، طريق ترابي يمر بمحاذاة حقل ذرة، ومنزل بجدران طينية. مشاهد ضبابية لكنها محفورة في وجدانه.
وفي عام 2021، قرر وهو في الثلاثينيات من عمره أن يمنح ذاكرته فرصة أخيرة. أمسك بورقة وقلم، ورسم خريطة لقريته من وحي ذاكرته كطفل عمره أربع سنوات. ورغم أنها لم تكن دقيقة جغرافيًا، إلا أنها كانت صادقة وجدانيًا.
نشر “لي” تلك الخريطة على الإنترنت، فانتشرت كالنار في الهشيم. وتأثر بها آلاف المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، مما دفع السلطات للتحرك. وبعد تحاليل دقيقة للحمض النووي، حدثت المعجزة…
تم العثور على والدته!
وفي 1 يناير 2022، تحقق الحلم، واحتضن “لي” أمه للمرة الأولى بعد 32 عامًا من الفُرقة. مشهد أبكى الملايين، فلم تكن هناك حاجة للكلمات؛ الدموع وحدها كانت كافية لتحكي قصة الشوق، وصوت البكاء كان أقوى من أي حديث.
قصة “لي جينغوي” لم تكن مجرد لمّ شمل، بل كانت درسًا عظيمًا في الصبر، وفي قوة الذاكرة، وعظمة قلب الأم. كما ألقت الضوء على معاناة آلاف الأسر التي تفقد أبناءها بسبب جرائم الاختطاف، وأكدت أن الأمل لا يموت مهما طال الزمن.
الزمن قد يسرق منا العمر… لكن لا شيء يسرق الحنين.
ولا شيء أقوى من قلب يبحث عن أمه