الهند والقوة المهيمنة
أسامينا
بقلم د. صريح القاز
- الهند، باعتبارها دولة خضعت للاستعمار الغربي طويلًا، لم تعد تنظر إلى الولايات المتحدة كشريك يؤمَن جانبه، بل باتت تراها قوةً مهيمنة ومبتزة. وقد تعمقت هذه النظرة بشكل لافت بعد الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان، حيث شعرت نيودلهي أن واشنطن لا تفي بالتزاماتها تجاه حلفائها، وتغلب مصلحتها الذاتية على أي تحالف استراتيجي، وهو ما دفعها لإعادة تقييم تحالفاتها.
- الهند تدرك بوضوح أن أميركا والغرب يسعيان لاستغلالها كـ”رأس حربة” في أي مواجهة مستقبلية مع الصين، خصمهم الجيوسياسي الأكبر. وتعي القيادة الهندية أن واشنطن لا تسعى لمنح نيودلهي دورًا متكافئًا، بل تريدها مجرد أداة ضمن استراتيجيتها لاحتواء الصين، مما يضع الهند في موقف غير مريح بين الانخراط والمواجهة دون ضمانات حقيقية.
- انطلاقًا من إدراكها لمحدودية العلاقة مع الغرب، بدأت الهند فعليًا بالخروج من القبضة الأميركية-الغربية، عبر تنويع مصادر السلاح، وتوسيع دائرة شراكاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع روسيا، إيران، دول الخليج، وأفريقيا. ويأتي ذلك في إطار سعيها لتحرير قرارها من الضغوط الغربية التي تراها تنتقص من سيادتها وتعارض خصوصيتها الثقافية، خصوصًا في ظل تصاعد التيار الهندوسي القومي.
- من وجهة نظر نيودلهي، فإن الولايات المتحدة والغرب كانوا – ولا يزالون – يقفون خلف الدعم العسكري والسياسي لعدوتها التقليدية، باكستان، بما في ذلك دعم البرنامج النووي الباكستاني خلال فترة الحرب الباردة. وهذا الدعم التاريخي لا يزال يلقي بظلاله على علاقة الهند بالغرب، حيث تعتبره انحيازًا غير مبرر يهدد أمنها القومي.
- في المقابل، ترى الهند أن مجموعة “بريكس” تقدم نموذجًا أكثر احترامًا لسيادتها، إذ لا تتدخل هذه المنظومة في ملفات داخلية حساسة كقضية كشمير أو ملف الأقليات، بخلاف الولايات المتحدة التي كثيرًا ما تستخدم هذه الملفات للضغط السياسي والدبلوماسي، مما يعتبره القادة الهنود انتهاكًا لخصوصيتهم الوطنية.
- منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، انتهزت الهند الفرصة لتعزيز علاقتها مع موسكو من خلال شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة، متجاهلة الضغوط والعقوبات الغربية. وقد استفادت نيودلهي من هذا الوضع لتعزيز أمنها الطاقي، وتقليل تكاليف استيراد الطاقة، في ظل ازدياد حاجتها للنمو الصناعي السريع.
- وجدت الهند في منظمة “بريكس” مكانتها الطبيعية كقوة صاعدة تطمح للعب دور مركزي على المسرح الدولي، خاصةً في إطار “الجنوب العالمي”. وتعتقد أن تحالفًا مثل “بريكس” يمنحها التقدير الذي تستحقه، عكس المجموعات الغربية مثل مجموعة السبع (G7) أو العشرين (G20)، التي تهيمن عليها القوى التقليدية ولا تسمح بتوزيع أكثر عدالة للنفوذ العالمي.