Home / أخبار حول العالم / منشآت تخصيب اليورانيوم في إيران – أسامينا -خاص

منشآت تخصيب اليورانيوم في إيران – أسامينا -خاص

منشآت تخصيب اليورانيوم في إيران – أسامينا -خاص

تمثل قضية البرنامج النووي الإيراني، وخاصةً محور تخصيب اليورانيوم، واحدًا من أكثر الملفات تعقيدًا وإثارة للجدل على الساحة الدولية منذ عقود. فاليورانيوم المخصب هو عصب الطاقة النووية السلمية، ولكنه أيضًا حجر الزاوية في صنع الأسلحة النووية. وبين هذين البعدين – الحق المشروع في التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) التي وقعت عليها إيران، والمخاوف المشروعة للمجتمع الدولي من احتمال تحول البرنامج نحو الأغراض العسكرية – تقف منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية كرموز للقدرة التكنولوجية الوطنية من جهة، وكبؤر للتوتر والصراع الدولي من جهة أخرى.

لقد شهد هذا الملف تطورات جسيمة، من البرامج السرية التي كشفتها المعارضة في بداية الألفية، إلى سنوات المفاوضات الشاقة التي توجت بالاتفاق النووي التاريخي (JCPOA) في 2015، ثم الانسحاب الأمريكي الأحادي منه في 2018 وما أعقبه من تصعيد إيراني مطرد في مستوى التخصيب وكمياته. إن فهم طبيعة وقدرات منشآت التخصيب الإيرانية ليس مجرد مسألة تقنية بحتة، بل هو مفتاح أساسي لفهم ديناميكيات الصراع الدولي حول الملف النووي الإيراني، وتقييم المخاطر المحتملة على الأمن الإقليمي والعالمي، واستشراف احتمالات العودة إلى الدبلوماسية أو الانزلاق نحو المواجهة. هذا التقرير يهدف إلى تقديم صورة تفصيلية ودقيقة لأهم هذه المنشآت، وتطورها، وقدراتها الحالية، وأهميتها الاستراتيجية.

أهم منشآت تخصيب اليورانيوم في إيران:

1-منشأة نطنز لتخصيب الوقود (FEP – Fuel Enrichment Plant):
الموقع: تحت الأرض، محصنة تحت جبال بالقرب من مدينة نطنز، محافظة أصفهان.
النشأة والتطور: بدأ العمل فيها سرًّا في أواخر التسعينيات/أوائل الألفية. كُشف النقاب عنها عام 2002. تعرضت للتخريب (هجمات ستوكسنت 2010، انفجار 2021) مما أبطأ تطورها. أكبر وأهم منشآت التخصيب الإيرانية.
نوع وأعداد أجهزة الطرد المركزي:
الجيل الأول (IR-1): الآلاف لا تزال قيد التشغيل. كانت العمود الفقري للتخصيب في ظل اتفاق JCPOA (مقيدة العدد).
أجيال متقدمة: بعد انهيار الاتفاق، قامت إيران بتركيب وتشغيل أعداد كبيرة من الأجهزة الأكثر تطوراً وكفاءة:
IR-2m: أكثر كفاءة من IR-1 بحوالي 5 مرات. تشغل حاليًا غالبية خطوط الإنتاج.
IR-4: جيل متقدم قيد التطوير والتركيب التدريجي.
IR-6: جيل متطور للغاية، أكثر كفاءة من IR-1 بحوالي 10 مرات. قيد التركيب والتشغيل على نطاق محدود.
IR-5, IR-6s, IR-8, IR-9: أجيال قيد التطوير والاختبار، بعضها في مراحل متقدمة. تهدف لزيادة الكفاءة بشكل كبير.
قدرات التخصيب الحالية (حسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية – IAEA):
تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 3.67٪ (وقود محطات الطاقة) و 5٪ و 20٪ (لأغراض البحث وإنتاج وقود مفاعل طهران للأبحاث).
الأهم: تقوم حاليًا وبشكل مستمر بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60٪ هذا المستوى قريب جدًا من مستوى التخصيب اللازم للأسلحة (90%+)، ويعتبر تصعيدًا خطيرًا من قبل المجتمع الدولي. يتم إنتاجه بكميات كبيرة نسبيًا.
مخزون اليورانيوم المخصب: تمتلك إيران مخزونًا كبيرًا من اليورانيوم مخصبًا إلى مستويات مختلفة، بما في ذلك عشرات الكيلوغرامات من اليورانيوم مخصبًا إلى 60% (ما يعادل عدة أضعاف ما كان مسموحًا به في JCPOA).
الأهمية: القلب النابض لبرنامج التخصيب الإيراني، حيث يتم الجزء الأكبر من إنتاج اليورانيوم المخصب، خاصة المستويات العالية (60%).

2-منشأة فردو لتخصيب الوقود (FFEP – Fordow Fuel Enrichment Plant):
الموقع: منشأة سرية سابقًا، محصنة بشدة داخل جبل بالقرب من مدينة قم. مقاومة جدًا للهجمات الجوية.
النشأة والتطور: كُشف النقاب عنها عام 2009. بموجب JCPOA، تم تحويلها إلى مركز للأبحاث ووضع قيود صارمة على عدد أجهزة الطرد المركزي ونوعية عملها (عدم تخصيب اليورانيوم).
نوع وأعداد أجهزة الطرد المركزي:
IR-1: كانت الأجهزة الأساسية.
أجيال متقدمة: بعد انهيار الاتفاق، قامت إيران بتركيب خطوط إنتاج جديدة بأجهزة متطورة:
IR-6: التركيز الرئيسي حاليًا، يتم تركيب وتشغيل أعداد متزايدة منها.
IR-1: لا تزال بعضها قيد التشغيل.
قدرات التخصيب الحالية:
تقوم بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات 5٪ و 20٪
الأهم: تقوم أيضًا بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60٪ بشكل مستمر وبكميات كبيرة، مما يضاعف قدرة إيران الإنتاجية لهذا المستوى الخطير.
تم تحويل جزء من اليورانيوم المخصب إلى 60% إلى وقود لأغراض بحثية، لكن العملية مستمرة لإنتاج المزيد.
الأهمية: تعتبر منشأة استراتيجية عسكريًا بسبب تحصيناتها الصخرية. مضاعفة إنتاج اليورانيوم بنسبة 60% هنا يزيد من المخاوف الدولية ويثير تساؤلات حول الحاجة العملية لهذا المستوى المرتفع في موقع محصن بهذا الشكل.

3-منشأة أصفهان (مفاعل أصفهان للأبحاث النووية – Isfahan Nuclear Technology Center): الموقع: بالقرب من مدينة أصفهان.
الوظيفة: ليست منشأة تخصيب دورها حاسم في دورة الوقود النووي:
تحويل اليورانيوم: تحويل “الكعكة الصفراء” (أكسيد اليورانيوم المركز) إلى غاز سادس فلوريد اليورانيوم (UF6) الذي يُغذى لأجهزة الطرد المركزي في نطنز وفردو للتخصيب.
إنتاج الوقود: تصنيع وقود اليورانيوم للمفاعلات (مثل مفاعل طهران للأبحاث ومفاعل بوشهر للطاقة).
إنتاج المعادن: أنشطة متعلقة بإنتاج معادن اليورانيوم والزيركونيوم.
أبحاث: أبحاث في مجالات مختلفة متعلقة بالوقود النووي.
الأهمية: بدون هذه المنشأة، لا يمكن تغذية أجهزة الطرد المركزي بغاز UF6، مما يجعلها حلقة أساسية في سلسلة إنتاج اليورانيوم المخصب. أي تعطيل لها يؤثر بشكل مباشر على برنامج التخصيب.

4-منشآت أخرى (أقل أهمية حاليًا أو قيد التطوير):
منشأة نطنز المتقدمة (PFEP – Pilot Fuel Enrichment Plant): تقع في نفس موقع نطنز فوق الأرض. كانت تُستخدم سابقًا لتخصيب اليورانيوم إلى 20%. حالياً تُستخدم بشكل أساسي لأبحاث وتطوير واختبار أجيال الطرد المركزي المتقدمة (IR-4, IR-5, IR-6, IR-6s, IR-8, IR-9) وإنتاج اليورانيوم المخصب بكميات صغيرة لأغراض بحثية، بما في ذلك مستويات عالية (تصل إلى 60%).
ورشة إنتاج أجهزة الطرد المركزي (تحديدًا في كرج): تقارير سابقة أشارت إلى وجود منشآت لتصنيع مكونات أجهزة الطرد المركزي، لكنها ليست منشآت تخصيب بحد ذاتها.

المخاوف والتحديات الدولية:

مستوى التخصيب 60%:** لا يوجد مبرر سلمي واضح لإنتاج مثل هذه الكميات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. هذا المستوى يقرب إيران بشكل خطير من امتلاك يورانيوم مخصبًا للأسلحة (90%+). عملية التخصيب من 20% إلى 60% تتطلب جهدًا أقل بكثير من التخصيب من 0.7% إلى 20%.
مخزون اليورانيوم المخصب الكبير: حجم المخزون المتراكم (خاصة عند مستويات 20% و60%) يعني أن “زمن التسلل” اللازم لإنتاج كمية كافية من اليورانيوم عالي التخصيب للأسلحة، في حال اتخاذ القرار السياسي، أصبح قصيرًا جدًا (أسابيع أو أشهر).
التطور السريع لأجهزة الطرد المركزي المتقدمة (IR-6 وما فوق): هذه الأجهزة أكثر كفاءة بكثير من الجيل الأول (IR-1). تركيبها بأعداد كبيرة يزيد بشكل كبير من قدرة إيران الإنتاجية (يقاس بوحدة “عمل فصل النظائر” SWU) ويقلل زمن التسلل أكثر.
توسيع المنشآت: التقارير تشير إلى خطط إيرانية لبناء منشآت تخصيب جديدة تحت الأرض وبقدرات هائلة (مثل خطط توسيع نطنز)، مما سيزيد القدرة الإنتاجية بشكل كبير إذا تم تنفيذها.
إن عدم الشفافية وعدم التعاون الكامل مع الوكالة الدولية: استمرار وجود ملفات مفتوحة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن وجود مواد نووية غير معلن عنها في مواقع غير معلنة في الماضي، وتعقيدات في عمليات التفتيش، يزيد من شكوك المجتمع الدولي حول الطبيعة السلمية الشاملة للبرنامج.
تمتلك إيران حاليًا بنية تحتية متطورة ومتوسعة لتخصيب اليورانيوم، مركزها نطنز وفردو، مدعومة بمنشأة أصفهان الحيوية. بعد انهيار اتفاق JCPOA، قامت إيران بتصعيد كبير وغير مسبوق في برنامج التخصيب، حيث تنتج كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% في منشأتين، وتطور وتُدخل أجهزة طرد مركزي متقدمة بكفاءة عالية، وتتراكم مخزونًا كبيرًا من اليورانيوم المخصب بمستويات متعددة. هذه التطورات قد اختزلت “زمن التسلل” النووي المحتمل إلى الحد الأدنى منذ بداية البرنامج، مما يثير مخاوف جادة لدى المجتمع الدولي، وخاصة الدول الغربية وإسرائيل والدول العربية في المنطقة، حول الأهداف النهائية للبرنامج النووي الإيراني وتهديده لاستقرار المنطقة ونظام عدم الانتشار النووي العالمي. تظل منشآت التخصيب هذه في قلب الصراع الدبلوماسي والأمني المستمر حول الملف النووي الإيراني.

Tagged:

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *