Home / أخبار سوريا / خارطة صناعية جديدة، تقوم على التصنيع المتكامل وتحويل المواد الأولية إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية،

خارطة صناعية جديدة، تقوم على التصنيع المتكامل وتحويل المواد الأولية إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية،

أسامينا

سوريا اليوم بحاجة إلى خارطة صناعية جديدة، تقوم على التصنيع المتكامل وتحويل المواد الأولية إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية، بما يعزّز التنافسية التصديرية ويؤسس لتنمية مستدامة حقيقية.
فالمطلوب ليس حماية صناعات عبر إغلاق الأسواق أو فرض القيود، بل تحفيز صناعات قادرة على المنافسة، تُنتج وتُصدّر وتبني اقتصادًا قويًا مستقلًا ومستدامًا.

إن من غير المنطقي النظر إلى التاجر كخصم للصناعي، فالتاريخ الاقتصادي السوري يؤكد أن التاجر كان شريك الصناعة الحقيقي، خاصة في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من خلال تمويل الإنتاج وتصريف المنتجات الوطنية. هذا التكامل بين التاجر والصناعي هو القلب النابض للدورة الاقتصادية، وأي محاولة للفصل بينهما لا تخدم الاقتصاد، بل تضعفه وتحدّ من قدرته على التطور.

بدلًا من مواجهة الصناعات التركية أو الصينية أو الأوروبية، على سوريا أن تسعى لاستقطاب هذه الصناعات نفسها إلى أراضيها، من خلال خلق بيئة إنتاج أكثر تنافسية بتكاليف منخفضة وسياسات ذكية تقوم على صفر كلفة للطاقة والكهرباء للإنتاج المخصص للتصدير، وإعفاء كامل من الرسوم الجمركية على المواد الأولية والآلات وخطوط الإنتاج، إلى جانب حوافز تصديرية مباشرة وسخية تشجع الصناعي على التوسع في الأسواق الخارجية. بهذا النهج، يمكن لسوريا أن تتحول إلى منصة صناعية ولوجستية إقليمية، تزوّد المنطقة بمنتجاتها، وتعيد تموضعها الاقتصادي كمركز جذب استثماري في الشرق الأوسط.

فالصناعة التي تعتمد على الحماية والدعم وحدهما، دون قدرة حقيقية على المنافسة، ليست صناعة وطنية، بل صناعة محلية محدودة الأفق، لا تعيش إلا في ظل المنع والاحتكار. أما الصناعة التي تستطيع أن تنتج سلعة عالية الجودة مصنوعة في سوريا وتنافس بها في الأسواق العالمية، فهي التي تستحق كل أشكال الدعم.

إن دعم الصناعة لا يكون بإغلاق الأسواق، بل بتقليل تكاليف الإنتاج ورفع كفاءة التشغيل، وإلغاء القيود والرسوم على حركة المواد الأولية سواء للتاجر أو الصناعي، وتقديم الحوافز الحقيقية للمنتجات التي تتجاوز فيها القيمة المضافة المحلية ٣٥٪؜، ودعم الصناعات الزراعية والصناعات التاريخية التي تميزت بها سوريا مثل النسيج والألبسة والخيوط والصناعات الغذائية التحويلية، إلى جانب الاستثمار في تأهيل اليد العاملة وبناء معاهد تدريب متخصصة تواكب تطور التكنولوجيا الصناعية.

لقد أثبتت السنوات الماضية أن سياسات الحماية الجمركية المصطنعة أدت إلى نتائج عكسية، من ركود اقتصادي وتشوه في السوق وارتفاع في الأسعار، مما أضرّ بالمستهلك قبل الصناعي نفسه. أما المرحلة القادمة، فتتطلب بناء اقتصاد سوق مفتوح قائم على الكفاءة لا على الحماية، وعلى المنافسة لا على الاحتكار، وعلى مصلحة المستهلك قبل أي شيء آخر.

إن مصلحة المستهلك يجب أن تكون البوصلة التي توجّه كل قرار اقتصادي، فاستقرار الأسعار وتحسين الجودة هما المعيار الحقيقي لنجاح أي سياسة. وكل دعم يُوجّه نحو الإنتاج التصديري لا يُعدّ إنفاقًا، بل استثمارًا في الاقتصاد الوطني، لأنه يخلق فرص عمل، ويعيد العائدات بالعملة الصعبة، ويخفف الضغط على السوق المحلية.

إن الصناعي السوري مطالب اليوم بأن يتحول من الاعتماد على الاحتكار والسوق المحلية إلى فكر إنتاجي جديد يقوم على الإنتاج الكبير والربح القليل المستدام، لأن المنافسة تولّد الجودة، والجودة تفتح الأسواق، والأسواق الواسعة تضمن استقرار الأرباح.

سوريا تمتلك كل المقومات لتكون موطنًا للصناعة في المنطقة: موقع جغرافي مميز، أيادٍ عاملة ماهرة، مواد أولية متنوعة، وشبكة علاقات تجارية واسعة. ما تحتاجه فقط هو إرادة اقتصادية شجاعة تعيد صياغة السياسات بما يخدم المستهلك، ويشجع الصناعي، ويفتح الأسواق أمام التاجر. عندها فقط يمكن القول إننا نسير نحو اقتصاد قوي، تنافسي، ومستدام، يليق بسوريا


Ghyath Habbal

Tagged:

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *